أفكار‬ الوحدة الثالثة الأدب واستشراف المستقبل

‫#‏أفكار‬ الوحدة الثالثة (الأدب واستشراف المستقبل)
#(مقدّمة)
استشراف المستقبل: هو التبصّر بالشؤون المستقبليّة لمجتمع معيّن من حيث موقعه في المجتمع الدوليّ، ومايؤول إليه حال البشر في ذلك المجتمع.
أمّا الشاعر الإنكليزيّ (شلي) فيقول:{الشعراء هم مستكشفو المستقبل ، ومشرّعو العالم غير المعترف بهم).
‫#‏أوّلاً‬- الخيال العلميّ والاستشراف:
العلم هو البوّابة إلى استشراف المستقبل ،والخيال العلميّ هو مفتاحها الذهبيّ الّذي يشرّع لنا آفاق صور متخيّلة لواقع منشود ، وفكر متفرّدة ،ومخترعات مفيدة.
وهو يتناول الحقائق جميعها الّتي يقدّمها العلم، ثمّ يضيف إليها الخيال منطلقاً من النقطة الّتي يقف عندها العلم ممهّداً الطريق للمستقبل فيروّضه ويقرّبه من أذهان العامّة .
وهذه نتيجةٌ منطقيّة لارتكاز أدب الخيال العلميّ على مجموعة معيّنة من المفاهيم والأسس.
أ-** كثير من التنبّؤات كانت في عصرها تبدو خياليّة ...مثل
• (تنبّؤ اسحق عظيموف بالطاقة الشمسيّة)
• (تنبّؤ كلارك بإمكانيّة إنشاء شبكة اتّصال في الفضاء)
• (تنبّؤ كارل تشابيك بامتلاك الإنسان العلميّ للمشاعر والأحاسيس )
يقول في مسرحيته (إنسان روسوم الآلي):
{الكويست :هل تساعدينني سوف أفكّ بريموس، لقد كنت في الواقع أريد أن أفكّك ، ولكن بريموس قدّم نفسه بدلا عنك.
هيلينا:(تغطّي وجهها وهي تبكي ) أنا مستعدّة .(يذهب بريموس لحمايتها) دعني يابريموس.}
• (تنبّؤ انطون الصّقال بآلات وأدوات كالسمّاع والمطفئة وغيرها...)
يقول في مقالته(سكّان كوكب الزّهرة):
{السمّاع: وهو آلة غير مرتبطة بسلك نضعها على آذاننا، فنسمع كلّ ما نريد أن نسمعه من بلاد بعيدة من غير أن نحتاج إلى أحد... المطفئة: وهي آلة إذا وجّهتها إلى النار أخمدتها.}
ب-**الموازنة بين العلم الواقعيّ والعالم المتخيّل لكشف عيوب الواقع:
(انطوان الصقّال)(سكّان كوكب الزّهرة):
{قال والدي: مدننا كثيرة غير أنّنا لا نحبّ الإقامة فيها طويلاً ، بل نفضّل عليها الجبال،ونفضّل عليها القرى في البراري الواسعة فلا نتضايق ،ولا نتزاحم في البلاد.......أمّا مدنكم في الكرة الأرضيّة فقد غصّت بكم ، وضاقت عليكم، حتّى ضاقت بها أخلاقكم ، تحيط بها أسوار من المنازل والحوانيت والمخازن عالية الأركان، تحجب عنها نور الشمس ، وتمنع الهواء النقيّ}
‫#‏ثانيا‬- الاستشراف القائم على التجربة والاكتشاف العلميّ:
أ- محاولة تقليد المادّة الحيّة:
**كارل تشابيك:{دومين الآلي: تصوّري _ياهيلينا_روسوم العجوز يجلس ومعه أنبوبة اختبار يفكّر كيف ستنبت منها شجرة كاملة للحياة ، وكيف ستخرج منها الحيوانات أوّلها الخنفساء وآخرها الإنسان نفسه،إنسان يختلف في مادته عنّا.}
ب- فكّ الإنسان الآلي للتعرّف على حقيقته:
**كارل تشابيك :{الكويست: لابدّ لي من أن أجري بعض التجارب على من صنعهم (جول).خذ الفتاة إلى غرفة الاختبار ، سوف أفكّ أجزاءها.}
ت-التحذير من التقدّم العلميّ الّذي قد يؤدّي إلى هلاك البشريّة ، وحرمان الإنسان من لذّة العمل وسعادة الإنجاز، واتّهام المخترع العلميّ بالثراء التجاريّ باسم السعادة الإنسانيّة الحقّة.
**كارل تشابيك:{دومين الآلي:/ثمّ يحدّثها عن اختراع العالم العجوز روسوم الإنسان الآلي الشابّ الّذي أسماه روسوم ، وروسوم الآلي هذا تشارك مع سيّده لصنع آلات حيّة ،ثمّ تمرّد عليه ، وأغلق باب المعمل و سيّده في داخله، فوجدوه فيما بعد ميتا فيه.}
‫#‏ثالثاً‬- الاستشراف النابع من معطيات الواقع:
أ-استشراف اغتصاب فلسطين وهيمنة الامبرياليّة على العرب:
**الجواهريّ:
لو استطعت نشرت الحزن والألما على فلسطين مسودّاً لها علما
سيُلحقون فلسطيناً بأندلس ويعطفون عليها البيت والحرما
ويسلبونك بغداداً وجلّقةً ويتركونك لا لحما و لا وضما
ب-استشراف مستقبل العرب برؤية الفيلسوف بناء على سلبيّتهم ولا مبالاتهم:
**ابراهيم طوقان:عام 1935
أمامك أيّها العربيّ يومٌ ت شيب لهوله سود النواصي
وأنت كما عهدتك لا تبالي بغير مظاهر العبث الرّخاص
مصيرك بات يلمسه الأداني وسار حديثه بين الأقاصي
لنا خصمان؛ذو حول وطول وآخر ذو احتيال واقتناص
تواصوا بينهم فأتى وبالا وإذلالا لنا ذاك التواصي
مناهج للإبادة واضحات وبالحسنى تنفّذ وبالرّصاص
ت-استحضار الأسطورة (التراث) وإسقاطها على الواقع لاستشراف آفاق المستقبل:
**أمل دنقل(عاش إرهاصاث الواقع فشعر بنكسة حزيران قبيل وقوعها):
أيّتها العرّافة المقدّسة../ماذا تفيد الكلمات البائسة؟/ قلت لهم ماقلت عن قوافل الغبار /فاتّهموا عينيك يازرقاء بالبوار /قلت لهم ماقلت عن مسيرة الأشجار/فاستضحكوا من وهمك الثرثار./
ث-صدق النبوءة ووقوع الكارثة وأثر ذلك على المستشرف:
**أمل دنقل:
أيّتها العرّافة المقدّسة/ جئت إليك ..مثخناً بالطعنات وبالدماء/أزحف في معاطف القتلى ، وفوق الجثث المكدّسة/
منكسر السيف، مغبرّ الجبين والأعضاء/ أسأل يازرقاء / عن فمك الياقوت ...عن نبوءة العذراء/
ج-المتاجرة بقضايا الشعوب عند وقوع الكارثة:
**أمل دنقل: قلت لهم ماقلت عن مسيرة الأشجار / فاستضحكوا من وهمك الثرثار/ وحين فوجئوا بحدّ السيف: قايضوا بنا/
والتمسوا النجاة والفرار./
ح-أثر الهزيمة ونتائجها:
**أمل دنقل:لم يبق إلّا الموت /والحطام /والدّمار/ وصبية مشرّدون يعبرون آخر الأنهار / ونسوة يُسقن في سلاسل الأسر وفي ثياب العار/مطأطئات الرأس ...لايملكن إلّا الصرخات الناعسة./
خ- استشراف المستقبل بعد توقيع اتّفاقيّة كامب ديفيد :
**دنقل: لاتُصالح / ولو منحوك الذهب / أترى حين أفقأ عينيك / ثمّ أثبّت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟/ هي أشياء لا تُشترى./
‫#‏رابعاً‬- استشراف المستقبل والتّغني بالمدن الطوباويّة والحلم بها هربا من الواقع :
**نازك الملائكة:
أ- تكوّن الحلم وأثره في النفس:
صدىً ضائع كسراب بعيد يجاذب روحي صباح مساء
إذا سمعته حياتي ارتمت حنينا ونادته ألف نداء
يموت على رجعه كلّ جرح بقلبي ، ويشرق كلّ رجاء
ويمضي شعوري في نشوة يخدّره حلم يوتوبيا
ب- ملامح الحلم وصفاته (الجمال،الحريّة)(الهروب من الواقع وقيوده):
تخيّلته بلداً من عبير على أفق حرت من سرّه
هنالك حيث تذوب القيود وينطلق الفكر من أسره
ت-خيبة الأمل بالواقع كبديل للمدينة الطوباويّة :
أحاول أن أتعزّى بشيء بغاب،بواد،بظلة تين
دقائق ثمّ أخيب ، وأهتف : لاشيء يشبه يوتوبيا
ج- الإصرار على البحث عن المدينة الفاضلة والحلم بها :
سأبقى تجاذبني الأمنيات إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم أحلم لا أستفيق إلّا لأحلم حلما جديد
وحين أموت، أموت وقلبي على موعد مع يوتوبيا.
#(خاتمة):
{تلك لمحة موجزة عن هاجس شغل الإنسان منذ ظهوره وحتّى اليوم، ألا وهو استشراف المسقبل ، وقد طرق بابه كثير من الأدباء منطلقين من الواقع ومعطياته، أو محلّقين في عالم الخبال هربا من الواقع وقيوده، وكلّهم أمل أن تغدو أحلامهم حقيقة يوما ما.}
أرجو الإفادة

الأستاذ سامر عتّوق - علوم للجميع