علوم للجميع | المنتدى |
|
||||||
يحوي قسم الـ , كلية الشريعةكل مايخص الاسلام و الحياة الدينية و المعيشية للمسلمين |
#1
|
||||
|
||||
شرح و تفسير سورة البقرة
تفسير و شرح سورة البقرة فضل السورة سورة البقرة جميعها مدنية بلا خلاف، وهي من أوائل مانزل، وآياتها مائتان وثمانون وسبع آيات. 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإنّ البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان). رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي. 2- عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إنّ لكل شيئاً سناماً، وإنّ سنام القرآن البقرة، وإنّ من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال) . رواه الطبراني وابن جبل وابن مردويه عن سهل بن سعد. سبب التسمية كان هناك رجل غني جداً من بني إسرائيل ، كان ثرياً جداً ، ولم يكن له أولاد ، فقتله ابن أخيه ، وألقى الجثة بعيداً على مشارف قريةٍ بعيدة ، واتُّهِمَ أهل هذه البلدة بقتل هذا الرجل ، ونَشِبَ خلافٌ بين القرية الأولى ، والقرية الثانية ، إلى أن جاء أولياء القتيل ليسألوا موسى عليه السلام عَن الذي قتل هذا الرجل ، فربنا عزَّ وجل في الآية الثالثة والسبعين من هذه السورة الكريمة ذكر قصة هذه البقرة ، فقال : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ( سورة البقرة : آية " 67 " ) -الأمر الإلهي أن يذبح بنو إسرائيل أيَّةَ بقرة ، فإذا أخذوا أحد أعضائها ، وضربوا به هذا القتيل يحيى ، ويقف ، ويقول : فلان قتلني ، أي كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُثْبِت لبني إسرائيل الحياة بعد الموت 1- { الۤمۤ } اختلف المفسِّرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره، ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال بعضهم: هي أسماء السور قال الزمخشري: وعليه إطباق الأكثر، وقيل: هي اسم من أسماء الله تعالى يفتتح بها السور، فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته، فالألف مفتاح اسم (الله) واللام مفتاح اسمه (لطيف) والميم مفتاح اسمه (مجيد) قال آخرون: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لـ (إعجاز القرآن) وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، وقرره الزمخشري ونصره أتم نصر، وإليه ذهب الإمام (ابن تيمية) وشيخنا الحافظ (أبو الحجاج المزي). 2- { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } الكتاب : القرآن الكريم لاريب : لاشك هدىً : نوراً قال ابن عباس: أي هذا الكتاب. والعربُ تعارض بين أسمي الإشارة فيستعملون كلاً منهما مكان الآخر وهذا معروفٌ في كلامهم. والكتابُ: القرآنُ، ومن قال: إن المراد بذلك الإشارة إلى التوراة والإنجيل فقد أبعدَ النُجعة، وأغرق في النزع، وتكلّف ما لا علم له به. والريبُ: الشك، أي لا شك فيه، روي ذلك عن أُناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافاً. { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } يعني نوراً للمتقين، وعن ابن عباس: المتقون هم المؤمنون الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعة الله، وقال الحسن البصري: اتقوا ما حرم عليهم، وأدوا ما افترض عليهم. 3- { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَوَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} الإيمان في اللغة يُطلق على التصديق المحض , الغيب المراد هٰهنا: اختلفت عبارات السلف فيه، فقال أبو العالية: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، وجنته ولقائه، وبالحياة بعد الموت فهذا غيبٌ كله. وقال السُّدي عن ابن عباس وابن مسعود: الغيبُ ما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } قال ابن عباس إقامة الصلاة: إتمامُ الركوع والسجود، والتلاوة والخشوع، والإقبال عليها فيها. وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها. { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } قال ابن عباس: زكاة أموالهم. وقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفقةُ الرجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزكاة. وقال قتادة: فأنفقوا مما أعطاكم الله، هذه الأموال عوارٍ وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها. واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات. قال ابن كثير: كثيراً ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال، فإن الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتوكيل عليه، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب، فكلٌ من النفقات الواجبه والزكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }. 4- { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } قال ابن عباس: أي يصدّقون بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أي بالبعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان، وإنما سميت (الآخرة) لأنها بعد الدنيا. 5- { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } هدىً : نور وبيان وبصيرة المفلحون : الفائزون قول تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ } أي المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق من الذي رزقهم الله، والإيمان بما أنزل إلى الرسول، والإيقان بالآخرة { عَلَىٰ هُدًى } أي على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس { عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } أي على نورٍ من ربهم واستقامة على ما جاءهم به { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما هربوا. 6- { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } الذين كفروا : غطوا الحق وستروه. لايؤمنون : أصروا على الكفر. { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي غطوا الحق وستروه، سواء عليهم إنذارك وعدمه، فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به . أي إن من كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له، ومن أضله فلا هادي له، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وبلغهم الرسالة، فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر، ومن تولى فلا يهمنك ذلك وعن ابن عباس في قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } الآية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادةُ في الذكر الأول، ولا يضلّ إلا من سبق له من الله الشقاءُ في الذكر الأول. وقوله تعالى: { لاَ يُؤْمِنُونَ } جملة مؤكدة للتي قبلها أي هم كفّار في كلا الحالين. 7- { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } { خَتَمَ ٱللَّهُ } أي طبع على قلوبهم وعلى سمعهم { وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون. قال مجاهد: الختم: الطبعُ، ثبتت الذنوب على القلب فحفَّت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطبعُ، والطبعُ الختم، وقد وصف تعالى نفسه بالختم والطبع عل قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم. قال بعضهم: إن معنى قوله تعالى: { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق، كما يقال: فلان أصمُّ عن هذا الكلام إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبراً، قال: وهذا لا يصح لأن الله قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم. 8- { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } * 9- { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات، ثمّ عرف حال الكافرين بآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولمّا كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس، أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كلٌ منها نفاق النفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي: وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي: وهو من أكبر الذنوب، لأن المنافق يخالف قولُه فعله، وسرُّه علانيَتَه، وإنما نزلت صفات المنافقين في السورة المدنية، لأن مكّة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه، ولهذا نبّه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفّار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار أن يظنَّ بأهل الفجور خيراً { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } أي بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون - بجهلهم - أنهم يخدعون الله بذلك وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } أي ما يغرّون بصنيعهم هذا إلاّ أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم 10- { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } مرض : شك ونفاق وخداع. { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي شك { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } شكاً، وعن ابن عباس { مرضٌ } نفاقٌ { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } نفاقاً، وهذا كالأول. وقال عبد الرحمٰن بن أسلم: هذا مرضٌ في الدين وليس مرضاً في الأجساد، والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } أي زادهم رجساً.
11- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لاَ تُفْسِدُواْ: الفساد بالأرض : أي الكفر والعمل بالمعصية فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم ربهم، وركوبهم ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم مقيمون عليه من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. 12- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ألا إن هذا الذي يزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً. 13- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } السفه: هو الجاهل الضعيف الرأي، القليل المعرفة بالمصالح والمضار( يأخذ الخسيس ويضيع النفيس ) وتفسير الآية يقول المنافقين : أنصير نحن وهؤلاء ( أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بمنزلة واحدة، وعلى طريقة واحدة، وهم سفهاء؟. إلا أن الله رد عليهم بقوله: : { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ } فأكد وحصر السفاهة فيهم { وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } يعني ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أبلغ في العمى والبعد عن الهدى. 14- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } خلوا : رجعوا وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا آمنا، وأظهروا لهم الإيمان والموالاة، غروراً منهم للمؤمنين ونفاقاً ومصانعه وتقية، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم. { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } يعني إذا انصرفوا وخلصوا إلى شياطينهم وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم، ورؤساؤهم من أحبار اليهود، ورؤوس المشركين والمنافقين , ] وقوله تعالى: { قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } أي إنا على مثل ما أنتم عليه { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } أي ساخرون بأصحاب محمد 15- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } والعمه: الضلال ـ العمه في القلب، والعمى في العين، هذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ومكره وخديعته بالمنافقين وأهل الشرك كقوله تعالى: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }وقوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} وما أشبه ذلك إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع ووقوله: { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي في ضلالتهم وكفرهم يترددون حيارى، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً لأن الله قد طبع على قلوبهم، وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلاً، 16- { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } الضلالة :الكفر الهدى: الايمان أي أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة، ولهذا قال تعالى: { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك. 17- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } استخدم القرآن طريقة المثل وهي من أروع الطرق لتوضيح الحقائق ,فالمنافق طلب النار كي تضيء له حياته ثم فاجأه ملك الموت ، هذا الذي يجعل كل مكتسباته محصورة في الدنيا أما المؤمن فهو يعمل للآخرة المعنى الثاني في هذه الآية ، أن كان اليهود يتحدَّوْنَ المنافقين قبل مجيء الرسالة النبوية، ( آن أوان مجيء نبيٍ سنؤمن به ) ، فالمنافقون أن يؤمنوا بهذا النبي ليتحدّوا اليهود الذين بشروهم بهذا النبي ، فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام الذي كانوا ينتظرونه ، وكانوا يبحثون عنه ، كي يردوا على كيد اليهود ، وكي يقفوا أمامهم نداً لند ، فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام كذَّبوا به ، فهم استوقدوا ناراً ، فلما أضاءت ما حولهم أذهب الله نورهم الذي كان من الممكن أن يُرْشِدهم إلى طريق السعادة في الدنيا والآخرة ، حينما رفضوا دعوة النبي. وهناك معنى ثالث : أن هؤلاء المنافقين هم في الحقيقة كُفَّار ، ولكن مصالحهم تعلَّقت بالمؤمنين ، فأعلنوا إسلامهم ، وأخفوا كفرهم ، وهم أرادوا الدنيا فقط ، هؤلاء انتفعوا بكفرهم ، ولكنهم يختلفون عن الكافرين بأن لهم مصالح مع المؤمنين ، فأظهروا ما لا يُبطنون ، وأعلنوا ما لا يُسِرُّون 18- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } صم لا يسمعون خيراً، بكم لا يتكلمون بما ينفعهم , عمي وهم في ضلالة وعماية البصيرة وهذه من صفات المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما إضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً، ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون. 19- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الصيب: المطر الغزير رعد : وهو ما يزعج القلوب من الخوف البرق: هو ما يلمع هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أُخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم (كصيِّب) والصيب: المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق، و (رعد): وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع , ] و (البرق): هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان، ولهذا قال: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بهم بقدرته، وهم تحت مشيئته وإرادته، 20 - { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن عباس: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الحق { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه، وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين. وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى، ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى، ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم: { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ} من صفات المنافقين : ـ الافساد هي الصفة الأساسية للمنافق ـ أن المنافق يبحث عن الدنيا ، لا يعنيه من الدنيا إلا المال ـ لايستطيع أن يتوقف عن عمل المعصية ـ القنوط وعدم الثقة بالله عز وجل وسوء الظن به ـ الكذب مع الله تعالى بعدم الصدق معه ـاخلاف الوعد وخيانة الأمانة ـ إذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر وأخلف ـ التكبر والاستكبار ـ الاستهزاء بآيات الله وبالمؤمنين ـ التستر عن الأعمال المشروعة للاضرار بمصالح المسلمين ـ التفريق بين المؤمنين والدس واشعال نار الفتنة ـ الطمع الشهواني ـ موالاة الكافرين ـ التربص بالمؤمن ـ السفه بالمؤمن ـ مخادعة الله تعالى والكسل في أداء العبادات الرياء في الطاعات وقلة ذكر الله عز وجل 21- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * 22- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فراشاً: أي مهداً كالفراش بناءً : السقف أنداداً : عدلاء وشركاءمن غير الله. قال ابن عباس، قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } للفريقين جميعاً من الكفار والمنافقين، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم.. العبادة طاعةٌ طوعيةٌ مع محبةٍ قلبية أساسها معرفةٌ يقينية. شرع تعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة، بأن جعل لهم الأرض فراشاً: أي مهداً كالفراش، مقررة موطأة مثبتة كالرواسي الشامخات. { وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } وهو السقف، كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } [الأنبياء: 32] جعلها فراشاً بمعنى أنه جعل فيها أسباب استقرارك عليها واستمرار حياتك فيها ، لو سكنت في بيت لا ماء فيه تخرج منه ، لو سكنت في بيت لا يوجد فيه تدفئة في الشتاء تخرج منه، لو سكنت في بيت لا يوجد فيه تكييف في الصيف تخرج منه ، لو سكنت في بيت لا يوجد فيه فراش ، كيف تنام على الأرض ؟ { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } والمرادُ به السحاب هٰهنا في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار رزقاً لهم ولأنعامهم. وعن ابن عباس، أيضاً { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }: أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه لا رب لكم يرزقكم غيره. وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لا شك فيه. وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده، فإنَّ من تأمل هذه الموجودات عِلم قدرةَ خالقها وحكمته، وعلمه وإتقانه، وعظيم سلطانه، كما قال بعض الأعراب وقد سئل: ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج! ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟. فما معنى نِداً لله ؟ النِّد هنا معناه أنك تطيعه كما لو كان إلهاً ، تحبُّه كما لو كان إلهاً ، تعبده كما لو كان إلهاً ، تعلِّق الأمل عليه كما لو كان إلهاً ، تخضَع له كما لو كان إلهاً وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال، قلت: " يا رسول الله أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك ". 23- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ريب : شك شهداءكم : أعوانكم ثم شرع تعالى: في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو فقال مخاطباً للكافرين: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم فأتوا بسورة من مِثْل ما جاء به؛ إن زعمتم أنه من عند غير الله، فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله فإنكم لا تستطيعون ذلك. أنت في أعلى درجة عند الله حينما تكون عبداً له ، معنى عبد : انصياعٌ كامل ، حبٌ كامل ، إخلاصٌ كامل ، رضى بقضاء الله وقدره ، طُمأنينة إلى وعد الله .. من منا يقول : أنا لست عبداً ؟ .. إذا لم تكن عبداً أغلق أنفك ، فهل تستطيع ؟ أنت مفتقر إلى هذا النفس ، فإذا مُنع عنك الهواء ثلاث دقائق تموت ، لست عبداً ؟ قوله تعالى: { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } وقوله في سورة يونس: { بِسُورَةٍ مِّثْلِه } [38] يعم كل سورة في القرآن، طويلة كانت أو قصيرة، لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم كما هي في سياق النفي عند المحققين من الأصوليين كما هو مقرر في موضعه، فالإعجاز حاصل في طوال السور وقصارها، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين الناس سلفاً وخلفاً. 24- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الوقود: فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب وقال بعضهم: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم يعني من رجل أُمّيٌّ مثله، والصحيحُ الأول لأن التحدي عام لهم كلهم مع أنهم أفصح الأمم، وقد تحداهم بهذا في مكّة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه، ومع هذا عجزوا عن ذلك ولهذا قال تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } و (لن) لنفي التأبيد في المستقبل، أي ولن تفعلوا ذلك أبداً وهذه أيضاً معجزة أُخرى، وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً غير خائف ولا مشفق أنَّ هذا القرآن لا يعارض بمثل أبد الآبدين ودهر الداهرين، وكذلك وقع الأمر لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا، ولا يمكن، وأنَّى يتأتى ذلك لأحد والقرآن كلام الله خالق كل شيء؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟ هذا التحدي قائمٌ أبداً ، ومَن يستطيع من بني البشر أن يحكم على المستقبل ؟ هذا مستحيل وقوله تعالى: { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } أما الوقود فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه كما قال تعالى: { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15] والمراد بالحجارة هٰهنا هي حجارة الكبريت، العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرّاً إذا حميت أجارنا الله منها. وقوله تعالى: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } الأظهر أن الضمير عائد إلى النار ويحتمل عوده إلى الحجارة كما قال ابن مسعود، ولا منافاة بين القولين في المعنى لأنهما متلازمان. و { أُعِدَّتْ } أي أرصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله، وقد استدل كثير من أئمة السنّة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله تعالى: { أُعِدَّتْ } أي أرصدت وهيئت. وحديث ابن مسعود: سمعنا وجبة فقلنا ما هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها " وهو مسند عند مسلم. 25- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فوصف الجنات بأنها تجري من تحتها الأنهار أي من تحت أشجارها وغرفها وقد جاء في الحديث أن أنهارها تجري في غير أخدود. كل نعيم تناله في الجنة بسبب استقامتك في الدنيا. قال السدي في تفسيره: إنهم أتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا. وقال ابن جرير بإسناده في قوله تعالى: { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } يعني في اللون والمرأى وليس يشبه في الطعم. وهذا اختيار ابن جرير. أي أن التشابه بالشكل والاسم ، أما الطعم فلا نسبة بينهما بل المقارنة مرفوضة. وقوله تعالى: { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } قال ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى. وقال مجاهد: من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمأثم، وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } قال: من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق. وقوله تعالى: { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } هذا هو تمام السعادة، فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين، من الموت والانقطاع فلا آخر له، ولا انقضاء بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام... والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم إنه جواد كريم، برٌّ رحيم. 26- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فما فوقها : فما دونها من الصغر والحقارة الحق : كلام الرحمن الفاسقُ : هو الخارج عن الطاعة ومعنى الآية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي أي لا يستنكف، وقيل: لا يخشى أن يضرب مثلاً ما، أيّ مثلٍ كان بأي شيء كان صغيراً كان أو كبيراً و (ما) هٰهنا للتقليل، وتكون بعوضة منصوبة على البدل، كما تقول: لأضربنَّ ضرباً ما، فيصدق بأدنى شيء أو تكون (ما) نكرة موصوفة ببعوضة، ويجوز أن تكون بعوضة منصوبة بحذف الجار، وتقدير الكلام: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها " وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء. وقوله تعالى: { فَمَا فَوْقَهَا } فيه قولان: أحدهما: فما دونها في الصغر والحقارة، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك - يعني فيما وصفت - وهذا قول أكثر المحققين، وفي الحديث: " لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء " ، والثاني فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة بن دعامة واختيار بن جرير فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة " فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلاً ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة. قال قتادة: { فأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه من عند الله. وقال أبو العالية: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } يعني هذا المثل، { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } كما قال تعالى: { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدثر: 31] وكذلك قال هٰهنا: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ }. وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغرابُ والحدأةُ والعقرب والفأرة والكلب العقور " 27- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه، فقال بعضهم: هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله، ونقضُهم ذلك هو تركهم العمل به. إذاً نقض العهد عدم العمل بالكتاب والسنة ، كل أمرٍ في القرآن هو عهدٌ عَهِدَ الله به إليك ، كل أمرٍ في القرآن ، وكل أمرٍ في سنة النبي العدنان هو عهدٌ عهد الله به إليك أن تُطَبِّقَهُ ، فإن طبَّقته فقد وفَّيت بهذا العهد ، وإن لم تطبقه فقد نقضت عهدك مع الله وقوله: { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } قيل: المراد به صلة الأرحام والقرابات. وهناك معنى آخر : كل إنسان يدعو إلى معصية ، يقطع الناس عن الله عزَّ وجل ، وقد أمروا أن يتصلوا بالله. { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ } يغيِّرون طبيعة كل شيء. وقال ابن جرير في قوله تعالى: { أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }: الخاسرون جمع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته، بأن يوضع من رأس ماله في بيعه. 28- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يحييكم : يبعثكم يوم القيامة يقول تعالى محتجا على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } أي كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره، { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ } أي وقد كنتم عدماً فأخرجكم إلى الوجود. كما قال تعالى: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } [الطور: 35-36]. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يجب أن يغلب على يقينك أن كل حركةٍ وكل سكنةٍ ، وكل كلمةٍ ، وكل ابتسامةٍ وكل عبوسٍ ، وكل وصلٍ وكل قطعٍ ، وكل عطاءٍ وكل منعٍ ، مسجلٌ عليك وسوف تسأل لماذا فعلت هذا ؟ 29- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } استوى : قصد وأقبل فَسَوَّٰهُنَّ : خلقهنّ أي قصد إلى السماء. والاستواء هٰهنا متضمن معنى القصد والإقبال لأنه عدي بإلى (فسواهن) أي فخلق السماء سبعاً. والسماء هٰهنا اسم جنس، فلهذا قال: { فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي وعلمه محيط بجميع ما خلق. ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولاً ثم خلق السماوات سبعاً، وهذا شان البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك . وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء، وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديماً وحديثاً وقد حررنا ذلك في سورة النازعات، وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى: { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا }[النازعات: 31-32] ففسر الدحي بإخراج ما كان مودعا فيه بالقوة إلى الفعل لما أكملت صورة المخلوقات الأرضيه ثم السماوية، دحى بعد ذلك الأرض فأخرجت ما كان مودعاً فيها من المياه، فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة والله سبحانه وتعالى أعلم. 30- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } نقدس: نصلي الملائكة مخلوقاتٌ كُلِّفوا أن يكون رسلاً بين الله وخلقه ، هناك فعل باللغة اسمه لأَكَ ، أي أرسل ، لأك يألكُ ، أرسل يرسل ، ومنه المَلَك ، فالملائكة مخلوقات ليست مكلَّفة لأنها اختارت القرب من الله عزَّ وجل ، يسبِّحون الله لا يفترون ، هؤلاء لهم مهمَّات كثيرة من أول مهمَّاتهم أنهم رسلٌ بين الله وخلقه . قال السدي في تفسيره: إن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: ربنا وما يكون ذاك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض، ويقتل بعضهم بعضاً: قال ابن جرير: وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرناً. والخليفة الفعلية من قولك: خلف فلان فلاناً في هذا الأمر، إذا قام مقامه فيه بعده. قال ابن جرير عن ابن عباس: إن أول من سكن الأرض الجن، فافسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا. قال: فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ثم خلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً }. أي أن سيدنا آدم حينما كان في الجنة لم يخرج منها بسبب أنه أكل التفاحة ، لا .. فسيدنا آدم مخلوق في الأصل للأرض ، والدليل هذه الآية، لكن الله جعل هذا الدرس البليغ له ، ولذريته من بعده ، فليس التصميم أنه مخلوق للجنة ، فلما أخطأ نقل للأرض ، لا فالإنسان في الأصل مخلوق للأرض، ولكن الله شاءت حكمته أن يعطي سيدنا آدم درساً بليغاً في عداوة الشيطان ، أما مصير الإنسان فهو إلى الأرض ، هذه النقطة الأولى ، النقطة الثانية ، جعله خليفة أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً، قرناً بعد قرن، جيلاً بعد جيل قال ابن جرير: وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم؟ فأجابهم ربهم { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يعني أن ذلك كائن منهم، وإن لم تعلموه أنتم ومن بعض ما ترونه لي طائعا. وقوله تعالى: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ، قال قتادة: التسبيح والتقديس الصلاة وقال السدي عن ابن عباس { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }: نصلي لك. وقال ابن جرير: التقديس هو التعظيم والتطهير. 31-{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } اختلف العلماء في هذه الكلمة ، أولاً اختلفوا في آدم ، لمَ سمِّي آدمُ آدماً ؟ قال : لأنه أُخِذَ من أديم الأرض .. من تراب الأرض .. وصنعه الله بيده ، ونَفَخَ فيه من روحه ، فهو المخلوق الأول . هذا مقامٌ ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة، بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليقة، حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبيّن لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم، فقال تعالى: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } قال السدي عن ابن عباس: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً، والدواب فقيل هذا الحمار، هذا الجمل، هذا الفرس. ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية عن أَنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلَّمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا " الحديث. فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال: { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلاَئِكَةِ } يعني المسميات { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قال مجاهد: ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة. وقال ابن جرير عن الحسن وقتادة قالا: علَّمه اسم كل شيء، وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة، وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. وقال السدي { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. 33- { قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وأن يعلموا شيئاً إلا ما علمهم الله تعالى { سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } أي العليمُ بكل شيء، الحكيمُ في خلقك وأمرك، وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء، لك الحكمة في ذلك والعدل التام. عن ابن عباس { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } قال: تنزيه الله نفسه عن السوء. 34_-{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } تبدون : تظهرون تكتمون : تخفونه في أنفسكم لما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء، قال الله تعالى للملائكة: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي ألم أتقدم إليكم إني أعلم الغيب الظاهر والخفي> ، وعن ابن عباس { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والإغترار. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فكان الذي أبدوا هو قولهم: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [البقرة: 30] وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم: لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم. فعرفوا أن الله فضّل عليهم آدم في العلم والكرم. وقال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس، وهو أن معنى قوله تعالى { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ }: وأعلم مع علمي غيب السماوات والأرض ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم فلا يخفى علي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم. 34-{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } الكافرين : العاصين وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتَنَّ بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسى عليه السلام: " رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فلمّا اجتمع به قال: أنت آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته؟ " قال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء الله. والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر. وقال ابن جرير عن الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس وهذا إسناد صحيح عن الحسن. وعن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيراً فكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا فأبى إبليس فلذلك قال تعالى: { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } [الكهف: 50] وقال أبو جعفر: { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } يعني من العاصين. قال قتادة في قوله تعالى { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ }: فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته، وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } [يوسف: 100] وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا. وقال قتادة في قوله تعالى: { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }: حسد عدوّ الله إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه الله من الكرامة وقال: أنا ناري وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدوّ الله أن يسجد لآدم عليه السلام. قلت: وقد ثبت في الصحيح: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر " وقد كان في قلب إبليس من الكبر، والكفر، والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس قال بعض المعربين { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }: أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال:: { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } [البقرة: 35] 35-{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } رغداً : هنيئاً واسعاً طيباً يبين الله تعالى إخباراً عما أكرم به آدم، بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس أنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء ويأكل منها ما شاء (رغداً) أي هنيئاً واسعاً، طيباً. وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم هي في السماء أم في الأرض؟ فالأكثرون على الأول وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى، وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة، ويقال: إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن ابن عباس وعن ناس من الصحابة " أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحيداً ليس له زوج يسكن إليه، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ قالت: امرأة قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: ولمَ حواء؟ قال: إنها خلقت من شيء حي ". وأما قوله: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم. . قال الإمام العلاّمة أبو جعفر بن جرير رحمه الله: إن الله عزّ وجلّ ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنّة الصحيحة. 36-{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } أزلهما : نحاهما الشيطان عن الجنة وقوله تعالى: { أَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } يصح أن يكون الضمير في قوله: { عَنْهَا } عائداً إلى الجنة فيكون معنى الكلام فأزلهما أي فنحاهما، ويصح أن يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون معنى الكلام فأزلهما أي من قبل الزلل، فعلى هذا يكون تقدير الكلام { أَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } أي بسببها، كما قال تعالى: { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [الذاريات: 9] أي يصرف بسببه من هو مأفوك، ولهذا قال تعالى: { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة. { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } أي قرار وأرزاق وآجال { إِلَىٰ حِينٍ } أي إلى وقت مؤقت ومقدار معيّن ثم تقوم القيامة، فإذا كانت جنة آدم التي أخرج منها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة وقد طرد من هنالك؟ وأجاب الجمهور بأجوبة، وأحدها أنه منع من دخول الجنة مكرماً، فأما على وجه السرقة والإهانة فلا يمتنع. ولهذا قال بعضهم - كما في التوراة - إنه دخل في فم الحية إلى الجنة. وقد قال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة. وقال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض وهما في السماء. ذكرهما الزمخشري وغيره. وقد أورد القرطبي هٰهنا أحاديث في الحيات وقتلهن، وبيان حكم ذلك فأجاد وأفاد. 37-{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } كلمات : التوبة قيل: إن هذه الكلمات مفسرة بقوله تعالى: { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23]. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } ، قال: إن آدم لما أصاب الخطيئة قال: أرأيت يا رب إن تبت وأصلحت؟ قال الله: " إذن أدخلك الجنة " فهي الكلمات، وعن مجاهد أنه كان يقول في قوله الله تعالى: { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } الكلمات " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافري " ، " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين " " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم " ، وقوله تعالى: { إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } أي أنه يتوب على من تاب إليه وأناب كقوله: { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [التوبة: 104] وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى يغفر الذنوب، ويتوب على من يتوب، وهذا من لطفه بخلقه ورحمته بعبيده، لا إله إلا هو التواب الرحيم. 38{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } 39-{ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } يخبر تعالى بما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية: إنه سينزل الكتب، ويبعث الأنبياء والرسل، كما قال أبو العالية: الهدى الأنبياء والرسل والبينات والبيان. وقال مقاتل بن حيان: الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن: الهدى القرآن، هذان القولان صحيحان. وقول أبي العالية أعم. { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } أي من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي فيما يستقبلونه من أمر الآخرة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما فاتهم من أمور الدنيا كما قال في سورة طه: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } [123]. قال ابن عباس: فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة: كما قال هٰهنا. { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي مخلدون فيها لا محيد لهم عنها ولا محيص. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم فأماتتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة ". وذكرُ هذا الإهباط الثاني لما تعلق به ما بعده من المعنى المغاير للأول، وزعم بعضهم أنه تأكيد وتكرير كما يقال قم قم، وقال آخرون: بل الإهباط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا، والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض والصحيح الأول، والله أعلم. 40-{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } * ارهبون : اخشون يأمر الله تعالى بني إسرائيل بالدخول في الإسلام، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ومهيجاً لهم بذكر أبيهم (إسرائيل) وهو نبي الله يعقوب عليه السلام، وتقديره: يا بني العبد الصالح المطيع لله، كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا ابن الكريم افعل كذا؛ يا ابن الشجاع بارز الأبطال؛ يا ابن العالم اطلب العلم، ونحو ذلك. ومن ذلك أيضا قوله تعالى: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } [الإسراء: 3] فإسرائيل هو يعقوب بدليل ما رواه ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب؟ " قالوا: اللهم نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم اشهد " وعن ابن عباس: أن إسرائيل كقولك عبد الله. وقوله تعالى: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قال مجاهد: نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سوى ذلك أن فجَّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوى، ونجّاهم من عبودية آل فرعون. وقال أبو العالية: نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب. قلت: وهذا كقول موسى عليه السلام لهم: { يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [المائدة: 20] وقال أبو العالية { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } قال: عهده إلى عباده دين الإسلام وأن يتبعوه. وقال ابن عباس: في قوله تعالى: { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أي أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره، وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإتعاظ بالقرآن وزواجره، وامتثال أوامره وتصديق أخباره، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، 41-{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ } ولهذا قال: { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } يعني به القرآن الذي أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً مشتملاً على الحق من الله تعالى مصدقاً، لما بين يديه من التوراة والإنجيل. وقوله: { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } قال ابن عباس: ولا تكونوا أول كافر به وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم، قال أبو العالية: ولا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد سماعكم بمبعثه، واختار ابن جرير أن الضمير في قوله (به) عائد على القرآن الذي تقدّم ذكره في قوله: { بِمَآ أَنزَلْتُ } ، وكلا القولين صحيح لأنهما متلازمان لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن، وأما قوله: { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل، لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن فكفرهم به يستلزم أنه أول من كفر به من جنسهم. وقوله تعالى: { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها فإنها قليلة فانية، سئل الحسن البصري عن قوله تعالى: { ثَمَناً قَلِيلاً } قال: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها. وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة " وقوله: { وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ } عن طلق بن حبيب قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله، رجاء رحمة الله على نور من الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله، ومعنى قوله: { وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ } أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه ومخالفتهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه. 42-{ وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } 43- { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } تلبسوا : تخلطوا يقول تعالى ناهياً لليهود عما كانوا يتعمدونه من تلبيس الحق بالباطل وتمويهه به، وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فنهاهم عن الشيئين معاً، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به. ولهذا قال ابن عباس { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ }: لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب، وقال قتادة: { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ }: ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله. عن ابن عباس: { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِين } قال مقاتل: أمرهم أن يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } أمرهم أن يؤتوا الزكاة أي يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقول: كونوا معهم ومنهم. 44-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } البر : الخير الكتاب : التوراة كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب وأنتم تأمرون الناس بالبر - وهو الخير - أن تنسوا أنفسكم فلا تأتمرون بما تأمرون الناس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب وتعلمون ما فيه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما أنتم صانعون بأنفسكم، فتنتبهوا من رقدتكم، وتتبصروا من عمايتكم؟ هؤلاء اليهود إذا جاء الرجل سألهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوة أمروه بالحق، والغرضُ أن الله تعالى ذمَّهم على هذا الصنيع، ونبَّههم على خطئهم في حق أنفسهم حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به: ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَثَل العالم الذي يعلِّمُ الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه " وقد ورد في بعض الآثار أنه يغفر للجاهل سبعين مرة، حتى يغفر للعالم مرة واحدة ليس من يعلم كمن لا يعلم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن أناساً من أهل الجنة يطّلعون على أناس من أهل النار، فيقولون بم دخلتم النار؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلَّمنا منكم، فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعل ". 45- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الخاشعين : المصدقين بما أنزل الله كبيرة: فيها مشقة وثقيلة يأمر الله تعالى عبيده فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة بالاستعانة بالصبر والصلاة كما قال مقاتل في تفسير هذه الآية: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة. فأما الصبر فقيل: إنه الصيام. وقيل: المراد بالصبر الكف عن المعاصي ولهذا قرنه بأداء العبادات، وأعلاها فعل الصلاة. قال عمر بن الخطّاب: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن، وأحسن منه الصبر عن محارم الله. وأما قوله: { وَٱلصَّلاَةِ } فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر والضمير في قوله: { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } عائد إلى الصلاة اي إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطوته، المصدقين بوعده ووعيده. وقال ابن جرير معنى الآية: واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر، المقربة من رضا الله، العظيمة إقامتها { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } أي المتواضعين المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته. 46- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} هذا من تمام الكلام الذي قبله أي أن الصلاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم، أي يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه وأنهم إليه راجعون أي أمورهم راجعة إلى مشيئته يحكم فيها ما يشاء بعدله، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء، سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات. فأما قوله: { يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } فالمراد يعتقدون، والعرب قد تسمي اليقين ظناً والشك ظناً، قال مجاهد: كلُّ ظنٍ في القرآن يقين . 47- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يذكرهم تعالى بسالف نعمه على آبائهم وأسلافهم، وما كان فضَّلهم به من إرسال الرسل منهم وأنزل الكتب عليهم وعلى سائر الأُمم من أهل زمانهم قال أبو العالية في قوله تعالى { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } على عالم مَنْ كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالماً، ويجب الحمل على هذا، لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }[آل عمران: 110] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله " والأحاديث في هذا كثيرة، وقيل: المراد تفضيلٌ بنوع ما من الفضل على سائر الناس، ولا يلزم تفضيلهم مطلقاً، 48- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عدل : فداء لما ذكّرهم تعالى بنعمه أولاً، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة فقال: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } يعني يوم القيامة { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أي لا يغني أحد عن أحد كما قال: {ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقوله تعالى: { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } يعني من الكافرين كما قال {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ }[المدثر: 48] وقوله تعالى: { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي لا يقبل منها فداء، كما قال تعالى: { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ }[آل عمران: 91]، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب، ولا شفاعة ذي جاه، ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً، قال ابن عباس { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال: بدل والبدل الفدية. وقوله تعالى: { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه، ولا يقبل منهم فداء هذا كله من جانب التلطف، ولا لهم ناصر من أنفسهم ولا من غيرهم كما قال:{ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ }[الطارق: 10] أي أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ، ولا يخلص منه قال ابن جرير: وتأويل قوله: { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } يعني أنهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصر، كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشا والشفاعات، وارتفع من القوم التناصر والتعاون، وصار الحكم إلى الجبار العدل، الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها. 49- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يسومونكم : يذيقونكم بلاء : عذاب يقول تعالى: اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم، إذا نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، أي خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته، رأى ناراً خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط إلا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل، وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها، وهٰهنا فسر العذاب بذبح الأبناء ومعنى { يَسُومُونَكُمْ } يولونكم اوقيل معناه: يديمون عذابكم، وإنما قال هٰهنا: { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } ليكون ذلك تفسيراً للنعمة عليهم في قوله: { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } ، وقوله تعالى: { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاۤءٌ } قال ابن جرير: وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون، بلاء لكم من ربكم عظيم، أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك، وأصل البلاء الاختبار، وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى: { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً }[الأنبياء: 35] وقيل المراد بقوله: { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاۤءٌ } إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء، قال القرطبي: وهذا قول الجمهور والبلاء هٰهنا في الشر، والمعنى: وفي الذبح مكروه وامتحان. 50- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} معنى هذه الآية: وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون وخرجتم مع موسى عليه السلام، خرج فرعون في طلبكم ففرقنا بكم البحر، { فَأَنجَيْنَاكُمْ } أي خلصناكم منهم وحجزنا بينكم وبينهم وأغرقناهم وأنتم تنظرون، ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم. وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء، لما روي عن ابن عباس قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: " ما هذا اليوم الذي تصومون؟ " قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى عليه السلام فقال رسول الله " أنا أحق بموسى منكم فصامه رسول الله وأمر بصومه ". 51 - {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 52-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يقول تعالى:{ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ }[البقرة: 40] في عفوي عنكم، لمّا عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة، وكانت أربعين يوماً وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر. 53- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } وقوله تعالى: { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } يعني التوراة، { وَٱلْفُرْقَانَ } وهو ما يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلالة { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ، وكان ذلك أيضا بعد خروجهم من البحر . 54-{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } بارئكم : خالقكم هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل، حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } أي إلى خالقكم. وفي قوله هٰهنا { إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } تنبيه على عظم جرمهم أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره، قال ابن جرير بسنده عن ابن عباس: أمر قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم قال: وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً، فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل، كلٌّ من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة. وقال عبد الرحمن بن زيد: لما رجع موسى إلى قومه، وكانوا سبعين رجلاً قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه، فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربكم، فقالوا: يا موسى ما من توبة؟ قال: بلى { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } الآية، فاخترطوا السيوف والخناجر والسكاكين، قال: وبعث عليهم ضبابة فجعلوا يتلامسون بالأيدي ويقتل بعضهم بعضاً، ويلقي الرجل أباه وأخاه فيقتله وهو لا يدري. قال: ويتنادون فيها رحم الله عبداً صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه، قال فقتلاهم شهداء وتيب على أحيائهم ثم قرأ: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }. .55- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 56- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } جهرة : علانية الصاعقة : نار فماتوا يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق، إذا سألتم رؤيتي جهرةً عياناً مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم. قال ابن عباس: { جهرةً } علانية، وقال الربيع ابن أنس: كان موتهم عقوبة لهم فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم، وقال ابن جرير: لما رجع موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل، وقال لأخيه وللسامري ما قال: وحرَّق العجل وذراه في اليم، اختار موسى منهم سبعين رجلاً، الخير فالخير، وقال: انطلقوا إلى الله وتوبوا إلى الله مما صنعتم، واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم. صوموا وتطهَّروا وطهَّروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سيناء لميقاتٍ وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم، فقال له السبعون - فيما ذكر لي - حين صنعوا ما أمروا به وخرجوا للقاء الله: يا موسى اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا. فقال: أفعل. فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم، فقالوا لموسى: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة، فماتوا جميعاً، وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يفعل السفهاء منا؟ أي إن هذا لهم هلاك، واختر منهم سبعين رجلاً الخير فالخير أرجع إليهم وليس معي منهم رجلُ واحد، فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا؟ فلم يزل موسى يناشد ربه عزّ وجلّ ويطلب إليه حتى ردَّ إليهم أرواحهم، وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل،، فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل، ثم إن الله أحياهم فقاموا وعاشوا ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون؟ قال: فذلك قوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. 57- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الغمام : السحاب الأبيض المن : نوع من الحلوى السلوى : نوع من الطيور لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم، شرع يذكِّرهم أيضاً بما أسبغ عليهم من النعم فقال: { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } جمع غمامة، سمي بذلك لأنه يغمّ السماء أي يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حرّ الشمس { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ } اختلفت عبارات المفسِّرين في المن ما هو؟ فقال ابن عباس: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا، وقال السُّدي: قالوا: يا موسى كيف لنا بما هٰهنا، أين الطعام؟ فأنزل عليهم المنّ فكان يسقط على شجرة الزنجبيل. وقال قتادة: كان المن ينزل عليهم في محلّهم سقوط الثلج، أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك. والظاهر - والله أعلم - أنه كل ما امتنَّ الله به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كد. فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاماً وحلاوة، وإن مُزج مع الماء صار شراباً طيبّاً، وإن ركِّب مع غيره صار نوعاً آخر وأما السلوى فقال قتادة: السلوى كان من طير إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب، وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده، حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه. وقوله تعالى: { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أمر إباحة وإرشاد وامتنان، وقوله تعالى: { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم. هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات، والمعجزات القاطعات، وخوارق العادات . 58- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} حطّةً : استغفرا لذنوبكم يقول تعالى لائماً لهم على نكولهم عن الجهاد، ودخولهم الأرض ا لمقدسة، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة،التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل، وقتال من فيها من العماليق الكفرة، فنكلوا عنقتالهم وضعفوا واستحسروا، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم كما ذكره تعالى في سورةالمائدة، ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي (بيت المقدس) وقوله تعالى: {وَقُولُواْ حِطَّةٌ } قال ابن عباس: مغفرة استغفروا. 59 -{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} رجزاً: عذاباً روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة،فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا وقالوا حبة في شعرة " وقال الثوري عن ابن عباس في قوله تعالى: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } قال: ركعاً من باب صغير، فدخلوا من قبل أستاههم، وقالوا حنطة فذلك قوله تعالى: { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ}. أُمروا أن يقولوا حطة أي أحطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزأوا فقالواحنطة في شعيرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته، ولهذا قال: { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }. عندما يصير الدين شكلاً ، فُلكلوراً ،تقاليد ، ورقصاً ، أو يصير الدين دوراناً ومع ارتداء ثوب كبير ، أو غناء ، أو طرباً، أو احتفالات ، أو إلقاء كلمات ، أو مؤتمرات دون أن يُطَبَّق المنهج الإلهي ، إذاأصبح الدين كذلك فهذه أمَّةٌ تودِّعَ منها ..وما أكثرمن يُبَدِّل في القرآن قولاً غير الذي قاله الله عزَّ وجل ، علماً أن الدين توقيفي، والشرائع منتهية 60- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} لاتعثوا : لاتقابلوا النعم بالعصيان يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في أجابتي لنبيكم موسى عليه السلام، حين استسقاني لكم وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من اثنتي عشرة عيناً، لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها، فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعتهلكم، بلا سعي منكم ولا كدّ، واعبدوا الذي سخَّر لكم ذلك، { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتُسْلَبوها. كما قال ابن عباس رضي الله عنه: وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع، وأمر موسى عليه السلام فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً في كل ناحية منه ثلاث عيون، وأعلم كل سبط عينهم يشربون منها. كلوا شرب من غير كِبْر ، من غير غطرسة ، من دون معاصي، من دون آثام ، تزوج من دون اختلاط ، تزوج وحجِّب زوجتك ، اجعل القرآن في بيتك ، افعل الطاعات .. 61-{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]}. فومها : الحنطة سألتم : طلبتم ضربت: وضعت يقول تعالى: واذكروانعمتي عليكم في إنزالي عليكم المنَّ والسلوى طعاماً طيباً نافعاً هنيئاً سهلاً،واذكروا ضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى الأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مماسألتم، وإنما قالوا على طعام واحد وهم يأكلون المن والسلوى لأنه لايتبدَّل ولا يتغير كل يوم فهو مأكل واحد، والفوم: الحنطةُ وهو البُرُّ الذي يعمل منه الخبز. وقوله: { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ }؟ فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع. وقوله تعالى: { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } قال ابن عباس: مصراً من الأمصار. ولهذا قال: { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَخَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } أي ما طلبتم. { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعاً وقدراً،وقوله تعالى: { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } استحقواالغضب من الله، وقال ابن جرير: يعني بقوله { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ}انصرفوا ورجعوا، . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ، يقول الله تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات الله، وإهانتهم حَمَلة الشرع وهم (الأنبياء وأتباعهم)، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا،إنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الكبر بطرُالحق وغَمْطُ الناس " { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْوَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } وهذه علة أُخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوايعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي.. * أنت عندما تستهدف الدنيا وليس لك رسالة في الحياة تملُّ كل شيء ، تبحث عن الجديد ولو كان قذراً ، تبحث عن التجديدولو كان انحطاطاً ، تبحث عن التغيير ولو كان نحو الأسوأ ، هذا شأن الإنسان؛ أماالمؤمن هدفه الله عزَّ وجل ، لا يمل النعم التي بين يديه لأنها وسائل ، وليست غاية، النعم التي بين يديك تملُّها إن أصبحت غايات ، وترتاح لها ، وتستعين بها ، ولاتَمَلُّها إذا جعلتها وسائل. 62-{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} لما بيّن تعالى حال من خالف أوامره، وارتكبزواجره، وتعدّى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النكال، نبّه تعالى على أن من أحسن من الأُمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة، كلُّ من اتبع الرسول النبي الأمّي فله السعادة الأبدية، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه . سبب نزول : عن مجاهد قال: قال سلمان رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنتُ معهم فذكرتمن صَلاتهم وعبادتهم، فنزلت: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْوَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } إلىآخر الآية. * إن جوهر الدين أن تؤمن بالله ، يمكن لكل واحد أن يقول : أنا مؤمن بالله ؟ ولكن حقيقة الإيمان أن تؤمن بأن الله موجود ، وأنه في السماء إلهٌ وفي الأرض إله ، وأن هذا الذي تستمع إليه من أحداث من تدبير الله ، ويد الله فوق أيديهم ، ويد الله تعمل في الخفاء ، وما من إلهٍ إلا الله. 63- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} الطور : الجبل يقول تعالى مذكِّراً بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق، بالإيمان وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبرتعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رؤوسهم، ليقروا بما عوهدوا عليه ويأخذوه بقوة وحزم.فالطُّور هو الجبل كما فسَّره به في الأعراف، وقال السدي:فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم، فنظروا إليه وقد غشيهم، فسقطواسجداً فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر، فرحمهم الله فكشفه عنهم فقالوا: والله ماسجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك. هذا الميثاق هو التكليف الذي كُلِّفتم به ، هذا العهد بطاعة الله ،هذا العهد بإقامة العدل في الأرض 64- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} يقول تعالى ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم، توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه. { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم { لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة. 65- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} يقول تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } يا معشر اليهود ما أحل من البأس بأهل القرية، التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه، فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره،إذا كان مشروعاً لهم فتحيلوا على اصطياد الحِيتان في يوم السبت بما وضعوا لها منالحبائل والبرك قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلكالحبائل والحيل فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت،فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهروليست بإنسان حقيقة، فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهرومخالفة له في الباطن. كان جزاؤهم من جنس عملهم. قال بعض المفسِّرين : جعلهم الله قردةً ، وهذاالمَسخ لا يتناسل ، وانقرضوا ، فإذا قلت : هناك مازال هناك يهود ، ليسوا جميعاً ،كانوا عصاةً ، فَمُسِخَ الذي عصى ، هذا رأيوالرأيالثاني مُسِخوا قردةً وخنازير وعبدة الطاغوت ، ، قال بعض العلماء : مسخوا قردة أي بأخلاق القردة ، ووقاحة القردة ،ودمامة القردة ، وعدم حياء القردة ، فإذا مشى إنسان مع زوجته بثيابٍ فاضحة لا تخفيمنها شيئاً أليس قرداً ؟ بل إن الذين يرفضون نظرية دارون ، بعضهم آمن بها مجدَّداًلكنَّها معكوسة ، كان إنساناً فصار قرداً لا يستحي ، ولا يخجل ، ولا ينصاع لأمر ،ولا لقيمة ، ولا لخُلُق. 66- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } نكالاً : عقوبة وقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً } الضمير في { فَجَعَلْنَاهَا } عائد على القرية، أي فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم (نكالاً) أي عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة.وقوله تعالى:{لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } أي من القرى، قال ابن عباس: يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرةً لما حولها من القرى. النكال العقاب الشديد ، لمَّا جعلهم قردة خاسئين كان هذا تنكيلاًبهم ، أي أنه أوقع العقاب بهم ليكون لمن حولهم ، ولمن بعدهم ، ولكل مؤمنٍ ردعاًوموعظةً ، لذلك قالوا : لا عقوبة بلا تجريم ، ولا تجريم بلا تشريع ، الله شرَّع ،فلمَّا خالفوا ، صار هناك جرم ، وعندما صار الجرم ، وجب العقاب . 67-{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } واذكروا يا بني إسرائيل جناية أسلافكم, وكثرة تعنتهم وجدالهم لموسى عليه الصلاة والسلام, حين قال لهم: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة, فقالوا -مستكبرين-: أتجعلنا موضعًا للسخرية والاستخفاف؟ فردَّ عليهم موسى بقوله: أستجير بالله أن أكون من المستهزئين. 68- {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} فارض : كبيرة بكر : صغيرة قالوا: ادع لنا ربَّك يوضح لنا صفة هذه البقرة, فأجابهم: إن الله يقول لكم: صفتها ألا تكون مسنَّة هَرِمة, ولا صغيرة فَتِيَّة, وإنما هي متوسطة بينهما, فسارِعوا إلى امتثال أمر ربكم. 69- {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} فعادوا إلى جدالهم قائلين: ادع لنا ربك يوضح لنا لونها. قال: إنه يقول: إنها بقرة صفراء شديدة الصُّفْرة, تَسُرُّ مَن ينظر إليها. 70- {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء الله لَمُهْتَدُونَ } قال بنو إسرائيل لموسى: ادع لنا ربك يوضح لنا صفات أخرى غير ما سبق; لأن البقر -بهذه الصفات- كثير فاشْتَبَهَ علينا ماذا نختار؟ وإننا -إن شاء الله - لمهتدون إلى البقرة المأمور بذبحها. 71- {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } لا ذلول : غير مذللة للعمل مسلّمة : لاعيب فيها لا شية : لونها واحد قال لهم موسى: إن الله يقول: إنها بقرة غير مذللة للعمل في حراثة الأرض للزراعة, وغير معدة للسقي من الساقية, وخالية من العيوب جميعها, وليس فيها علامة من لون غير لون جلدها. قالوا: الآن جئت بحقيقة وصف البقرة, فاضطروا إلى ذبحها بعد طول المراوغة, وقد قاربوا ألا يفعلوا ذلك لعنادهم. وهكذا شددوا فشدَّد الله عليهم 72- {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَالله مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } ادارأتم : اختلفتم تكتمون : تحفون واذكروا إذ قتلتم نفسًا فتنازعتم بشأنها, كلٌّ يدفع عن نفسه تهمة القتل, والله مخرج ما كنتم تخفون مِن قَتْل القتيل. 73- {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي الله الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } فقلنا: اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة المذبوحة, فإن الله سيبعثه حيًا, ويخبركم عن قاتله. فضربوه ببعضها فأحياه الله وأخبر بقاتله. كذلك يُحيي الله الموتى يوم القيامة, ويريكم- يا بني إسرائيل- معجزاته الدالة على كمال قدرته تعالى; لكي تتفكروا بعقولكم, فتمتنعوا عن معاصيه. 74- {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ولكنكم لم تنتفعوا بذلك; إذ بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت قلوبكم وغلظت, فلم يَنْفُذ إليها خير, ولم تَلِنْ أمام الآيات الباهرة التي أريتكموها, حتى صارت قلوبكم مثل الحجارة الصمَّاء, بل هي أشد منها غلظة; لأن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنصبَّ منه المياه صبًا, فتصير أنهارًا جاريةً, ومن الحجارة ما يتصدع فينشق, فتخرج منه العيون والينابيع, ومن الحجارة ما يسقط من أعالي الجبال مِن خشية الله تعالى وتعظيمه. وما الله بغافل عما تعملون. 75- {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } عقلوه : فهموه أيها المسلمون أنسيتم أفعال بني إسرائيل, فطمعت نفوسكم أن يصدِّق اليهودُ بدينكم؟ وقد كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة, ثم يحرفونه بِصَرْفِه إلى غير معناه الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته, أو بتحريف ألفاظه, وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا 76 - {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } هؤلاء اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانهم: آمنَّا بدينكم ورسولكم المبشَّر به في التوراة, وإذا خلا بعض هؤلاء المنافقين من اليهود إلى بعض قالوا في إنكار: أتحدِّثون المؤمنين بما بيَّن الله لكم في التوراة من أمر محمد; لتكون لهم الحجة عليكم عند ربكم يوم القيامة؟ أفلا تفقهون فتحذروا؟ 77- {أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أيفعلون كلَّ هذه الجرائم, ولا يعلمون أن الله يعلم جميع ما يخفونه وما يظهرونه؟ 78-{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } أماني : أكاذيب افتروها أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب (أماني) يتمنونها{ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } يكذبون 79- { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمناً قليلاً 80- { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يقول تعالى إخباراً عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم، من أنهم لن تمسّهم النار إلا أياماً معدودة، ثم ينجون منها، فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً } أي بذلك فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده، ولكن هذا ما جرى ولا كان، ولهذا أتى بأم التي بمعنى (بل) أي بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه. 81-{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أحاطت به : استولت عليه يقول تعالى: ليس الأمر كما تمنيتم ولا كما تشتهون، بل الأمر أنه من عمل سيئة { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } وهو من وافى يوم القيامة وليست له حسنة، بل جميع أعماله سيئات، فهذا من أهل النار 82-{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي آمنوا بالله ورسوله، وعملوا الصالحات من العمل الموافق للشريعة، فهم من أهل الجنة 83-{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } يذكّر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر، وأخذه ميثاقهم على ذلك، وأنهم تولوا عن ذلك كله وأعرضوا قصداً وعمداً وهم يعرفونه ويذكرونه، فأمرهم تعالى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وبهذا أمر جميع خلقه ولذلك خلقهم وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها، وهو حق الله تبارك وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له ثم بعده حق المخلوقين. وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين، ولهذا يقرن تبارك وتعالى بين حقه وحق الوالدين في الصحيحين عن ابن مسعود قلت:" يا رسول الله أيُّ العمل أفضل؟ قال: " الصلاة على وقتها " ، قلت: ثم أي؟ قال " بر الوالدين " ، قلت: ثم أيِّ؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: " يا رسول الله مَن أبر؟ قال: " أمك " ، قال: ثم مَن؟ قال: " أمك " ، قال ثم من؟ قال: " أباك؟ ثم أدناك ثم أدناك 84-{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يقول تبارك وتعالى منكراً على اليهود، الذين كانوا في زمان رسول الله بالمدينة، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا في الجاهلية عبَّاد أصنام، وكانت بينهم حروب كثيرة، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل (بنو قينقاع) و (بنو النضير) حلفاء الخزرج و (بنو قريظة) حلفاء الأوس، فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم، ويخرجونهم من بيوتهم، وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها افتكُّوا الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } أي لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يخرجه من منزله، ولا يظاهر عليه، وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة{ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به 85- { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تظاهرون : تعاونون خزيٌ : هوان وفضيحة { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } أنبأهم الله بذلك من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ } جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } 86- { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي استحبوها على الآخرة واختاروها { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم عليه. 87-{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } روح القدس : جبريل عليه السلام ينعت تبارك وتعالى بني إسرائيل بالعتو والعناد، والمخالفة والاستكبار على الأنبياء، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم، فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب وهو (التوراة) فحرّفوها وبدَّلوها، وخالفوا أوامرها أولوها، وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام ولهذا أعطاه الله من البينات وهي المعجزات { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } كانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء أسوأ المعاملة ففريقاً يكذبونه، وفريقاً يقتلونه، وما ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم، وبالإلزام بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها، فلهذا كان ذلك يشق عليهم فكذبوهم وربما قتلوا بعضهم 88-{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } غلف : مغشاة { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي في أكنة أي لا تفقه وهي القلوب المطبوع عليها { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } أي طردهم الله وأبعدهم من كل خير { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } معناه: لا يؤمن منهم إلا القليل 89- { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } يستفتحون : يستنصرون ببعثته عليه الصلاة والسلام { وَلَمَّا جَآءَهُمْ } يعني اليهود { كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم{ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } يعني من التوراة { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله من قريش كفروا به. 90-{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } اشتروا به : باعوا به بغياً : حسداً { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ } باعوا به أنفسهم ... بئسما اعتاضوا لأنفسهم فرضوا به وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم عن تصديقه ومؤازرته ونصرت { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } لما كان كفرهم سببه البغي والحسد ومنشأ ذلك التكبر قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة 91 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أنتم ترفضون أن تؤمنوا بما جاء من عند الله عزَّ وجل ، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، بمن تؤمنون ؟ بما أنزل عليكم وَرَآءَهُ أي القرآن الكريم ثم هل في توراتكم أن النبي يُقْتَل ؟ إذاً كنتم تزعمون أنكم متبعون لكتابكم ولن تتبعوا إلا كتابكم ، فهل في كتابكم ما ينُصَّ على أن النبي يقتل ؟فأنتم لاتعترفون بالقرآن لابأس إلا أنكم لن تستطيعوا أن تقتلوا هذا النبي كما قتلتم أنبيائكم وهو تحدي من الله تعالى بعدم اغتيال رسول الله فالله حافظه 92 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لقد جاءكم موسى بالآيات الواضحات والدلائل القاطعات على أنه رسول الله وأنه لا إله إلا الله، والآيات والبينات هي: (الطوفان، والجراد، والقُمّل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، وفرق البحر، وتظليلهم بالغمام، والمن، والسلوى، والحجر) وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها ثم اتخذتم العجل معبوداً من دون الله في زمان موسى وأيامه. وقوله: { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله عزّ وجلّ ، { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } أي وأنتم ظالمون في هذا الصنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله 93 ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يعدّد سبحانه وتعالى عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق، وعتوهم وإعراضهم عنه حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه ولهذا: { قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } وقد تقدم تفسير ذلك { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ }. عن قتادة قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم وقوله: { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفركم بآيات الله، ومخالفتكم الأنبياء، ثم كفركم بمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا أكبر ذنوبكم وأشد الأمور عليكم، إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة من نقضكم المواثيق، وكفركم بآيات الله، وعبادتكم العجل من دون الله؟. 94 ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم 95 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات. وقال الضحاك عن ابن عباس: { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } فسلوا الموت. قال ابن عباس: " لو تمنى يهود الموت لماتوا ولو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه ". وقال ابن جرر: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً " 96- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الانسان محكوم بالإعدام مهما طالت مدة التوقيت ؛ لكن الإعدام ينتظره مهما طالت هذه المدة . 97 ـ{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 98- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } سيدنا جبريل مَلَك عظيم ، بل هو رئيس الملائكة ، وأنزل هذا القرآن على قلب النبي بإذن الله ، هو عبدٌ مأمور ، الكتب السماويَّة يؤيِّد بعضها بعضاً ، فالإنجيل يؤيِّد التوراة ، والقرآن يؤيِّد التوراة والإنجيل ، وما في التوراة والإنجيل ، موضوعٌ واحد فإذا عادى الإنسان الملائكة فهو يعادي الله عزَّ وجل ، عادى الرُسُل فهو يعادي الله عزَّ وجل ، عادى جبريل فهو يعادي الله عزَّ وجل ، فالعداوة لا تتجزَّأ ، وأن الولاء لا يتجزَّأ سبب نزول هذه الآية : عن ابن عباس قال: " أقبلت يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذا قال: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [القصص: 28] قال: " هاتوا " ، قالوا: فأخبرنا عن علامة النبي؟ قال: " تنام عيناه ولا ينام قلبه ". قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكَّر؟ قال: " يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت " ، قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: " كان يشتكي عرق النساء فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا " ، قال أحمد، قال بعضهم: يعني الإبل. فحرم لحومها. قالوا: صدقت. قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: " ملك من ملائكة الله عزّ وجلّ موكل بالسحاب بيديه أو في يديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى ". قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: " صوته " ، قالوا: صدقت. قالوا: إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، إنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال: " جبريل عليه السلام " ، قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوُّنا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان، فأنزل الله تعالى: { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } إلى آخر الآية " 99 ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات، دالاّت على نبوّتك، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرّفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم التي كانت في التوراة فأطلع الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف من نفسه، ولم يدعها إلى هلاكها الحسدُ والبغيُ. 100 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } نعم ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غداً 101ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي طرح طائفة منهم كتاب الله الذي بأيديهم مما فيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، أي تركوها كأنهم لا يعلمون ما فيها وأقبلوا على تعلم السحر واتّباعه، ولهذا أرادوا كيداً برسول الله صلى الله عليه وسلم وسحروه في مُشْط ومُشَاقه وجُفّ طلعة ذَكَرٍ تحت راعوفة ببئر أروان، وكان الذي تولى ذلك منهم رجل يقال له (لبيد بن الأعصم) لعنه الله وقبحه، فأطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وشفاه منه وأنقذه 102ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } خلاق :نصيب بئس : بديل لواتبعت اليهود الذين أوتوا الكتاب من بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم ومخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تتلوه الشياطين أي ما ترويه وتخبر به وتحدثه الشياطين على ملك سليمان حيث أن سليمان كان نبياً يأخذ السحر من الجن والشياطين ويخبأه في حفره تحت كرسيه فهو ليس بساحر إنما الساحر أنتم أولئك الذين أخذتم السحر من الملكين هاروت وماروت وليس من جبريل وميكائيل وهنا ثبت كذب اليهود زعمهم أن جبريل ساحر , و هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختباراً لعباده وامتحاناً بعد أن بيَّن لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل , ثم يتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر، ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وهذا من صنيع إلا أن هذا السحر لن يتم إلا بقضاء الله،فمن شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله. وهذا السحر يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن فعل فعلهم ذلك، أنه ما له في الآخرة من نصيب، ولبئس البديل ما استبدلوا به من السحر عوضاً عن الإيمان ومتابعة الرسول، لو كان لهم علم بما وعظوا 103ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم من المعاصي وعمل السحر ، لكان مثوبة الله على ذلك خيراً لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به 104- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص - عليهم لعائن الله - فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولوا (راعنا) ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ } [النساء: 46] وقال صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " ، ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار قال ابن عباس: (راعنا) أي أرعنا سمعَك، قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيّه صلى الله عليه وسلم راعنا، لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن يقولوها لنبيّه صلى الله عليه وسلم. 105- { مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } يبيّن بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذَّر الله تعالى من مشابهتهم للمؤمنين ليقطع المودَّة بينهم وبينهم، ونبَّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين، من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى: { وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }. 106- { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } ما نبدل من آية وعن ابن عباس: قال: " كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار وقال السدي: { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } نأت بخير من الذي نسخناه أو مثل الذي تركناه.الله عليه وسلم. 107- { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير } يرشد عباده تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر، وهو المتصرف فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء، ويوفق من يشاء ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء فيحل ما يشاء ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه 108- { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } نهى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء قبل كونها كما قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }[المائدة: 101] جاء في الصحيح: " إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم من أجل مسألته " وثبت في الصحيحين من حديث المغيرة ابن شعبة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال " 109- {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو أو الاحتمال حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه كما قال ابن عباس: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود العرب حسداً قال ابن عباس في قوله { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ }: نسخ ذلك قوله: { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] وكذا قال أبو العالية وقتادة والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ }. 110- { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يحثهم تعالى على الاشتغال بما ينفعهم، وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة،وقال ابن جرير في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } هذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سراً وعلانية فهو به بصير 111- { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها فأكذبهم الله تعالى كما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك 112- { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي من أخلص العمل لله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ }[آل عمران: 20] 113- { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بيَّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم، كما قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى: { وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً ومقابلة للفاسد بالفاسد وقوله: { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } وقوله تعالى: { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة. . 114- { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ما رواه ابن جرير عن ابن زيد قال: هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخلوا مكة حتى نحر هديه بذي طوى وهادنهم وقال لهم: " ما كان أحد يصد عن هذا البيت، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده " فقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق. وفي قوله: { وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ } عن ابن عباس أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم، وقيل: إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِعَذَابٌ عَظِيمٌ } على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله,الآية فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفاً وقال قتادة: لا يدخلون المساجد إلا مسارقة. 115- { وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 144] إلى قوله: { فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144]. فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: { مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } [البقرة: 142]. فأنزل الله { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ }[البقرة: 142] عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأخذتهم ضبابة فلم يهتدوا إلى القبلة فصلوا لغير القبلة ثم استبان لهم بعد ما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبلة، فلما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه فأنزل الله تعالى هذه الآية: { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } ومعنى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال، وأما قوله: { عَلِيمٌ } فإنه يعني عليم بأعمالهم ما يغيب عنه منها شيء، ولا يعزب عن علمه بل هو بجميعها عليم.
زوار منتدى علوم للجميع الكرام ,, يشرفنا كتابة ارائكم حول المواضيع المطروحة
[اضافة تعليق]
|
01-17-2012, 07:13 PM رقم المشاركة : [2] | ||||
|
||||
رد: شرح و تفسير سورة البقرة
116- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قانتون : خاضعون اشتملت هذه الآية الكريمة والتي تليها على الرد على النصارى عليهم لعائن الله وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ممن جعل الملائكة بنات الله، فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم إن لله ولداً فقال تعالى { سُبْحَانَهُ } أي تعالى وتقدّس وتنزَّه عن ذلك علواً كبيراً: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي ليس الأمر كما افتروا، وإنما له ملك السماوات والأرض ومن فيهن، فكيف يكون له ولد منهم، والولد إنما يكون متولداً من شيئين متناسبين، وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له فكيف يكون له ولد؟ وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم ". 117- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } بديع : مبدع ومخترع أي خالقهما على غير مثال سبق وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدث بدعة كما جاء في صحيح مسلم " فإن كل محدثة بدعة " 118- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } سبب نزول الآية: قال ابن عباس: قال رافع بن حرملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول ، فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه. فأنزل الله في ذلك من قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ }. وقوله تعالى: { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } أي أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو. 119- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عن ابن عباس قال: " بشيراً بالجنة ونذيراً من النار " ، وقوله: { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ }أي لا نسألك عن كفر من كفر بك. 120- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبداً، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق. قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى، يعني هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل. { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } فيه تهديد شديد ووعيد للأمة في اتباع طرائق اليهود والنصارى. 121- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هم اليهود والنصارى، وفي قوله: { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } يتبعونه حق اتباعه. 122- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 123- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لاتجزي : لا تقضي عدل : فدية وكررت هٰهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأُمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأُمّته فحذرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم من النعم الدنيوية والدينية. 124- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ابتلى : اختبر يقول تعالى منبهاً على شرف إبراهيم خليلة عليه السلام، وأن الله تعالى جعله إماماً للناس يقتدى به في التوحيد، حين قام به كلّفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي، { بِكَلِمَاتٍ } أي بشرائع وأوامر ونواه، { فَأَتَمَّهُنَّ } أي قام بهن، قال: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } أي جزاء على ما فعل كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة وإماماً يقتدى به ويحتذى حذوه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } قال: " لا طاعة إلا في المعروف ". 125- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } مثابة: مرجعاً ومضمون هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت، وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابةً للناس، أي جعله محلاً تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه، ولا تقضي منه وطراً ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام،ويصفه تعالى بأنه جعله أمناً من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمناً، سبب نزول: عن جعفر بن محمد عن أبيه: سمع جابراً يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم قال له عمر: هذا مقام أبينا؟ قال: " نعم " ، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ } أي من الأوثان والرفث وقول الزور والرجس. 126- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } {رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } أي من الخوف أي لا يرعب أهله. قال ابن جرير عن جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم حرَّم بيت الله وأَمَّنه، وإني حرمت المدينة وما بين لابتيها، فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها " قال ابن عباس: " كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس، فأنزل الله ومن كفر أيضاً أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أأخلق خلقاً لا أرزقهم؟ أمتعهم قليلاً ثم اضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير " ثم قرأ ابن عباس:{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } [الإسراء: 20] { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ومعناه أن الله تعالى يُنْظرهم ويمهلهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
127- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فالقواعد جمع قاعدة، وهي السارية والأساس، يقول تعالى: واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت، ورفعهما القواعد منه وهما يقولان: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } فهما في عمل صالح وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما. 128- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن جرير: يعنيان بذلك واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحداً سواك، ولا في العبادة غيرك. { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } قال عطاء: أخرجها لنا. 129- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يزكيهم : يطهرهم من الشرك والمعاصي يقول تعالى إخباراً عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم، أي من ذرية إبراهيم، وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق في تعيين محمد صلوات الله وسلامه عليه رسولاً في الأميين إليهم، وإلى سائر الأعجميين من الإنس والجن. { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ } يعني القرآن، { وَٱلْحِكْمَةَ } يعني السنة، { وَيُزَكِّيهِمْ } قال ابن عباس: يعني طاعة الله والإخلاص، { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي العزيز الذي لا يعجزه شيء وهو قادر على كل شيء. 130- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يرغب عن : يزهد سفه نفسه: استخف بها أي ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره، بتركه الحق إلى الضلال، حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلاً، وهو في الآخرة من الصالحين السعداء، فمن ترك طريقه هذا وملكه وملته، واتبع طرق الضلالة والغيّ فأيُّ سفه أعظم من هذا؟ أم أيّ ظلم أكبر من هذا؟ كما قال تعالى: { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] 131- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي أمره الله بالإخلاص له والاستسلام والانقياد فأجاب إلى ذلك شرعاً وقدراً. 132- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي وصى بهذه الملة وهي الإسلام لله، أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله: { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا أبناءهم من بعدهم، والظاهر - والله أعلم - أن إسحاق ولد له (يعقوب) في حياة الخليل وسارة،وهذا يقتضي أنه وجد في حياته، وأيضاً فإنه باني بيت المقدس كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة، وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت:" يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: " المسجد الحرام " ، قلت: ثم أي؟ قال: " بيت المقدس " ، قلت: كم بينهما: قال: " أربعون سنة " { يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } أي أحسنوا في حال الحياة، والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه. 133- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يقول تعالى محتجاً على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفار من بني إسرائيل بأن يعقوب لما حضرته والوفاة، وصّى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له فقال لهم: { مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } ، وهذا من باب التغليب لأن إسماعيل عمه،وقوله: { إِلَـٰهاً وَاحِداً } أي نوحده بالألوهية ولا نشرك به شيئاً غيره، { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي مطيعون خاضعون. 134- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } خلت: مضت { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي مضت، { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } أي أن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيراً يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }. 135- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الحنيف: هو المائل لله عزَّ وجل عما سوى الله بالضبط سبب نزول الآية عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدِ، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } ، وقوله: { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } أي لا نريد ما دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية بل نتبع { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } أي مستقيماً. 136- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلاً وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملاً، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء وأن لا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم كلهم. عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسروها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله ". أيْ أَنَّ فحوى دعوة الأنبياء واحدة ، أي مضمون دعوة الأنبياء واحدة. 137- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } {فَإِنْ آمَنُواْ } يعني الكفار من أهل الكتاب، { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه. { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم. 138- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } قال الضحاك عن ابن عباس: دين الله . هذا استفهام إنكاري ، ليس في الأرض كلها جهةٌ يمكن أن تمنح الإنسان كمالاً كما يمنحه الله عزَّ وجل. 139- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يقول الله تعالى مرشداً نبيّه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ } أي تناظروننا في توحيد الله والإخلاص له، والانقياد، واتباع أوامره، وترك زواجره { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي نحن برآء منكم ومما تعبدون وأنتم برآء منا. 140- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 141- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } خلت : مضت { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } قال الحسن البصري: كانوا يقرأون في كتاب الله الذي أتاهم إن الدين الإسلام، وإن محمداً رسول الله، وإن إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا براء من اليهودية والنصرانية، فشهدوا لله بذلك وأقروا على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عنهم من ذلك. وقوله: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تهديد ووعيد شديد: أي أن علمه محيط بعلمكم وسيجزيكم عليه، ثم قال تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي قد مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وليس بغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم. أنت حينما تعلم أن الله يعلم تستقيم أمورك. 142- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } السفهاء : خفاف العقل، اليهود قيل: المراد بالسفهاءهٰهنا مشركو العرب قاله الزجاج، وقيل: أحبار يهود قاله مجاهد، وقيل: المنافقون قاله السُّدي، والآية عامة في هؤلاء كلهم. من هو السفيه ؟ السفيه هو الذي يبدد ماله أو قدراته بلا جدوى . نوضح مثل لو أن إنساناً أمسك ألف ليرة وأحرقها أمامك بلا سبب، وبلا هدف هو سفيه، وأنا مضطر أن أسوق الموضوع إلى فرع ثم أعود إلى أصل الموضوع ، مُرَكَّب في الإنسان أن الوقت أثمن من المال، ، ما معنى ذلك ؟ أن الوقت أثمن من المال ، فالذي يُبدد المال يُتَّهم بالسفه ، والذي يبدد الوقت هو أشد سفاهةً . ليس هناك مكان مقدَّس لذاته ـ هذه نقطة مهمة جداً ـ ليس هناك مكان مقدس لذاته إلا أن يقدَّسه الله عز وجل ، ، ولذلك سواء توجَّه المسلمون إلى بيت المقدس ، أم إلى مكة المكرمة ، هم يتوجَّهون إلى الله عز وجل ، وليس هناك مكان مقدس في ذاته. 143- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ينقلب: يرتد عن الإسلام سبب نزول الآية: عن البراء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أولصلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة، فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي قد مات على القبلة قبلأن تحول قبل البيت رجالاً قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: { وَمَاكَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }. عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلَّغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم؟ فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح من يشهد لك؟ فيقول محمد وأُمته، قال فذلك قوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهدعليكم " . أمة وسطا أي أمةً وسطاً أي وسطاء بين الله وخلقه. وفي رواية أنهم كانوا ركوعاً فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع، وهذايدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله عزّ وجلّ رضي الله عنهم أجمعين. وقوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك، ما كان يضيع ثوابها عند الله. 144- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } شطر : جهة سبب نزول الآية : قال ابن عباس: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماهاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود فأمره الله أن يستقبل بيتالمقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشرشهراً، وكان يحب قبله إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } إلى قوله: { فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ }. فارتابت من ذلك اليهود. فمكة تبعد عن أطراف العالم القديم مع الجديد ثلاثة عشر ألف كيلو متر بالضبط ، هذا في بحث قُدِّم للجامعة حول أن مكة المكرمة هي الوسط الهندسي لليابسة. { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } هؤلاء الذين أوتوا الكتاب ، والذين عرفوا من خلال كتابهم المقدَّس أن القبلة سوف تتحول إلى بيت المقدس ، ومع ذلك أنكروا على النبي الكريم أن يتجه إلى قبلتهم ، فقالوا : تُعارض ديننا وتتجه إلى قبلتنا . ومشركو مكة المكرمة أنكروا على النبي ذلك لأن هذه الكعبة بيت آبائهم وأجدادهم. 145- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي يا أمة محمد إياكم أن تتبعوا أهواء الكفار ، لا يقودوكم إلا إلى الشر ، إلا إلى الضياع ، إلا إلى التفتُت ، إلا إلى التشرزًم ، إلا إلى الفقر. ولهذا قال هٰهنا: { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّاتَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } ، وقوله: { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } إخبار عن شدة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى به،وأنه كما هم مستمسكون بأرائهم وأهوائهم، فهو أيضاً مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته، حذَّر تعالى عن مخالفة الحق الذي يعلمه العالم إلى الهوى، فإن العالم الحجة عليه أقوم من غيره. ولهذا قال مخاطباً للرسول والمراد به الأمة: { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِإِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }. 146- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخبر تعالى أن علماءأهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال لرجل معه صغير: " ابنك هذا "؟ قال: نعم يا رسول الله أشهد به، قال: " أما أنه لا يخفى عليك ولا تخفى عليه " { لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } أي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، ثم ثبَّت تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذيلا مرية فيه ولا شك فقال: { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِن َٱلْمُمْتَرِينَ }. إنّ كتم الحق جريمة 147-{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الممترين أي المتشككين . 148-{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عن ابن عباس: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } يعني بذلك أهل الأديان، يقول لكل قبيلة قبلةٌ يرضونها، ووجهه الله حيث توجه المؤمنون المقصود من بني البشر لإنسان مولِّيها ، أي أنك تتمتَّع في الدنيا بحرية الاختيار ، ولكن هذه الحرية تعد بشكلٍ أو بآخر سبب سعادتك الأبدية ، أنت حُر ، ما معنى حر؟ أي أن بإمكانك أن تؤمن أو أن لا تؤمن، ، بإمكانك أن تصلي أو أن لا تصلي . أين ما تكونو يأت بكم الله جميعاً.. في أية مكانةٍ كنت ، وفي أي مكانٍ كنت ، لا يوجد مكان يستعصي على الله عزَّ وجل . 149- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض، وقد اختلفوا في حكمةهذا التكرار ثلاث مرات، فقيل: تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزل على أحوال، فالأمر الأول لمن هومشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائباً عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان هكذا وجَّهه فخر الدين الرازي. الله هو الحق ، وأمره حق ، كتابه حق ، ورسوله حق ، ووعده حق، ووعيده حق ، والجنة حق ، والنار حق . الحق الشيء المستقر الذي لا يتزعزع ، الشيء الهادف ، الشيء النبيل .. 150- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } وقوله: { لِئَلاَّيَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } أي أهل الكتاب فإنهم يعلمون منصفة هذه الأمة التوجّه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوابها على المسلمين، ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس وهذا أظهر أي إنكم حينما تنساقون لأمر الله ، وتذكرون أن الله يأمر وينهى ، وما المؤمن إلا خاضع لهذا الأمر ، ومحكوم به ، أسقطتم حُجة المعترضين بهذا { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } يعني مشركي قريش، ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا: إنَّ هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم، فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم فلم يرجع عنه؟ وقوله: { فَلاَتَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي } أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين وأفردواالخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه، وقوله: { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } عطف على { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } ، أي لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها، { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } إي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها. 151- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يزكيكم : يطهركم يذكِّر تعالى عباده المؤمنين، ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آيات الله مبينات " ويزكيهم " أي يطهرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور،ويعلمهم الكتاب وهو القرآن، والحكمة وهي السنّة، ويعلِّمهم ما لم يكونوايعلمون. 152- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } م نحك الله عز وجل الوجود ، منحك الكون ، منحك الزمن ، منحك الحرية ، منحك العقل، منحك الفطرة ، منحك الشرع ، منحك الشهوة ، منحك الاختيار ، هذا ينبغي أن تشكره عليه. قال زيد بن أسلم: إن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: " تذكرني ولا تنساني فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذ نسيتني فقد كفرتني " قال الحسن البصري: إن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره، ويعذب من كفره. 153{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر، شرع في بيان الصبر والإرشاد والاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر عليهاوبيَّن تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة والصبر صبران: فصبرك على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثواباً لأنه المقصود، وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب فذاك أيضاً واجب كالاستغفار من المعايبوقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر. 154{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما جاء في صحيح مسلم: " أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون؟ قالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالو: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أُخرى - لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جلّ جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون 155{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده أي يختبرهم ويمتحنهم، فتارةً بالسرّاء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، وقال هٰهنا: { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ } أي بقليل من ذلك، { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ } أي ذهاب بعضها { وَٱلأَنفُسِ } كموت الأصحاب والأقارب والأحباب، { وَٱلثَّمَرَاتِ } أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها، قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة، وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه، ولهذا قال تعالى: { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ }. 156 {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 157 { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ثم بين تعالى مَنِ الصابرون الذين شكرهم فقال: { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي تسلوا بقولهم هذا عمّا أصابهم، وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة، ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } أي ثناء من الله عليهم { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ ) وعن ام سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " ، قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم ولا مسلمة يُصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث لذلك استرجاعاً إلا جدّد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب 158{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } بيَّن تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } أي مما شرع الله تعالى لأبراهيم في مناسك الحج، وقد تقدم في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر، وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لمّا نفد ماؤهما وزادهما، فلم تزل تتردد في هذه البقعة المشرفة بين (الصفا والمروة) متذللة خائفة وجلة حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرَّج شدتها وأنبع لها زمزم التي ماؤها " طعام طعم، وشفاء سقم " فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأن يلتجىء إلى الله عزّ وجلّ لتفريج ما هو به. وقوله: { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } قيل: زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك يطوف بينهما في حجة تطوع أو عمرة تطوع، وقيل: المراد تطوّع خيراً في سائر العبادات. وقوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } أي يثيب على القليل بالكثير { عَلِيمٌ } بقدر الجزاء فلا يبخس أحداً ثوابه 159{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * 160{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * 161{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * 162- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل، من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة، والهدى النافع للقلوب، من بعد ما بينه الله تعالى لعباده، في كتبه التي أنزلها على رسله، وقد نزلت في أهل الكتاب كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: " من سئل عن عِلْم فكتمه أَلجم يوم القيامة بلجام من نار " وروي عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله ما حدَّثت أحداً شيئاً { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ } الآية. قال أبو العالية: { وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } يعني تلعنهم الملائكة والمؤمنون، وقد جاء في الحديث: " إن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحِيتان في البحر " ، وجاء في هذه الآية أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون. ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ } أي رجعوا عمّا كانوا فيه، وأصلحوا أعمالهم، وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه { فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه، ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأن { عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا } أي في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة، ثم المصاحبة لهم في نار جهنم { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } فيها أي لا ينقص عمّا هم فيه { وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } أي لا يغير عنهم ساعة واحدة ولا يفتر، بل هو متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك. قال أبو العالية وقتادة: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. 163{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا إله إلا هو وأنه الرحمن الرحيم، 164- { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } إن في خلق السموات بارتفاعها واتساعها, والأرض بجبالها وسهولها وبحارها, وفي اختلاف الليل والنهار من الطول والقصر, والظلمة والنور, وتعاقبهما بأن يخلف كل منهما الآخر, وفي السفن الجارية في البحار, التي تحمل ما ينفع الناس, وما أنزل الله من السماء من ماء المطر, فأحيا به الأرض, فصارت مخضرَّة ذات بهجة بعد أن كانت يابسة لا نبات فيها, وما نشره الله فيها من كل ما دبَّ على وجه الأرض, وما أنعم به عليكم من تقليب الرياح وتوجيهها, والسحاب المسيَّر بين السماء والأرض -إن في كل الدلائل السابقة لآياتٍ على وحدانية الله, وجليل نعمه, لقوم يعقلون مواضع الحجج, ويفهمون أدلته سبحانه على وحدانيته, واستحقاقه وحده للعبادة. 165- { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } ومع هذه البراهين القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون الله أصنامًا وأوثانًا وأولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى, ويعطونهم من المحبة والتعظيم والطاعة, ما لا يليق إلا بالله وحده. والمؤمنون أعظم حبا لله من حب هؤلاء الكفار لله ولآلهتهم; لأن المؤمنين أخلصوا المحبة كلها لله, وأولئك أشركوا في المحبة. ولو يعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك في الحياة الدنيا, حين يشاهدون عذاب الآخرة, أن الله هو المتفرد بالقوة جميعًا, وأن الله شديد العذاب, لما اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم من دونه, ويتقربون بهم إليه. 166- { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } عند معاينتهم عذاب الآخرة يتبرأ الرؤساء المتبوعون ممن اتبعهم على الشرك, وتنقطع بينهم كل الصلات التي ارتبطوا بها في الدنيا: من القرابة, والاتِّباع, والدين, وغير ذلك. 167- { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } وقال التابعون: يا ليت لنا عودة إلى الدنيا, فنعلن براءتنا من هؤلاء الرؤساء, كما أعلنوا براءتهم مِنَّا. وكما أراهم الله شدة عذابه يوم القيامة يريهم أعمالهم الباطلة ندامات عليهم, وليسوا بخارجين من النار أبدًا. 168- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الأرض, وهو الطاهر غير النجس, النافع غير الضار, ولا تتبعوا طرق الشيطان في التحليل والتحريم, والبدع والمعاصي. إنه عدو لكم ظاهر العداوة 169- { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } إنما يأمركم الشيطان بكل ذنب قبيح يسوءُكم, وبكل معصية بالغة القبح, وبأن تفتروا على الله الكذب من تحريم الحلال وغيره بدون علم. 170- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلال: اتبعوا ما أنزل الله من القرآن والهدى, أصرُّوا على تقليد أسلافهم المشركين قائلين: لا نتبع دينكم, بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون عن الله شيئًا, ولا يدركون رشدًا؟ 171- { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } وصفة الذين كفروا وداعيهم إلى الهدى والإيمان كصفة الراعي الذي يصيح بالبهائم ويزجرها, وهي لا تفهم معاني كلامه, وإنما تسمع النداء ودَوِيَّ الصوت فقط. هؤلاء الكفار صُمٌّ سدُّوا أسماعهم عن الحق, بُكْم أخرسوا ألسنتهم عن النطق به, عُمْي لا ترى أعينهم براهينه الباهرة, فهم لا يعملون عقولهم فيما ينفعهم 172- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} يا أيها المؤمنون كلوا من الأطعمة المستلَذَّة الحلال التي رزقناكم, ولا تكونوا كالكفار الذين يحرمون الطيبات, ويستحِلُّون الخبائث, واشكروا لله نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم, إن كنتم حقًا منقادين لأمره, سامعين مطيعين له, تعبدونه وحده لا شريك له. 173- { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إنما حرم الله عليكم ما يضركم كالميتة التي لم تذبح بطريقة شرعية, والدم المسفوح, ولحم الخنزير, والذبائح التي ذبحت لغير الله. ومِنْ فَضْلِ الله عليكم وتيسيره أنه أباح لكم أكل هذه المحرمات عند الضرورة. فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء منها, غير ظالم في أكله فوق حاجته, ولا متجاوز حدود الله فيما أُبيح له, فلا ذنب عليه في ذلك. إن الله غفور لعباده, رحيم بهم. 174- { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاًأُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } لايزكيهم : لايطهرهم من ذنوبهم يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم، وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم آباءهم، فخشوا - لعنهم الله - إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم. { أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق ناراً تأجج في بطونهم يوم القيامة وذلك لأنه تعالى غضبان عليهم، لأنهم كتموا وقد علموا فاستحقوا الغضب، فلا ينظر إليهم { ولا يزكيهم } أي يثني عليهم ويمدحهم بل يعذبهم عذاباً أليماً. 175- { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} اي اعتاضوا عن الهدى - وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء واتباعه وتصديقه - استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه الضلالة، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم. {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أي فما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار. 176- { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } شقاق: خلاف أي إنما استحقوا هذا العذاب الشديد، لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزواً، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره فخالفوه وكذبوه، وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذبونه ويخالفونه، ويجحدونه ويكتمون صفته، فاستهزأوا بآيات الله المنزلة على رسله، فلهذا استحقوا العذاب والنكال. 177- { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } البأساء : الفقر الضراء : السقم حين البأس: وقت مجاهدة العدو اشتملت هذه الآية الكريمة على جمل عظيمة، وقواعد عميقة، وعقيدة مستقيمة، فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولاً بالتوجُّه إلى بيت المقدس، ثم حوّلهم إلى الكعبة، شقَّ ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عزّ وجلّ، وامتثال أوامره وليس في لزوم التوجه إلى جهة المشرق أو المغرب برٌّ ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله وشرعه {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أي أخرجه وهو محبٌ له راغب فيه .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر. {ذَوِي الْقُرْبَى} هم قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان: صدقة وصلة، فهم أولى الناس بك وبِبرَّك وإعطائك " {وَالْيَتَامَى} هم الذين لا كاسب لهم وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ، والقدرة على التكسب {وَالْمَسَاكِينَ} وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيُعْطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفراً في طاعة فيعطي ما يكفيه في ذهابه وإيابه {وَالسَّآئِلِينَ} هم الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات {وَفِي الرِّقَابِ } وهم المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم {وَأَقَامَ الصَّلاةَ } أي وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها، على الوجه الشرعي المرضي { وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ } الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ { إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } أي في حال الفقر وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام وهو الضراء وفي حال القتال والتقاء الأعداءؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات. 178- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } عُفي : ُتركَ كتب عليكم العدل في القصاص - أيها المؤمنون - حركم بحركم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدى من قبلكم { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } أن يقبل الدية في العمد.ومن ترك له من أخيه شيء يعني أخذ الدية بعد استحقاق الدم { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } على الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية يعني من القاتل من غير ضرر يؤدي المطلوب إليه بإحسان. { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ما شرع لكم أخذ الدية في العمد، تخفيفاً من الله عليكم ورحمة بكم، مما كان محتوماً على أمم قبلكم من القتل أو العفو. 179- { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } في شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل، حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها، لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل، انكف على صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس يعني أن جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل . 180- { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } خيراً : مالاً كثيراً اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجباً قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتماً من غير وصية ولا تحمل مِنَّة الموصي . 181- {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فمن بدل الوصية وحرَّفها فغيَّر حكمها وزاد فيها أو نقص، ويدخل في ذلك الكتمان , وقع أجر الميت على الله، وتعلَّق الإثم بالذين بدلوا ذلك. أي قد اطلع على ما أوصى به الميت وهو عليم بذلك وبما بدله الموصَى إليهم. 182- { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الجنف: الخطأ وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها، بأن زادوا وارثاً بواسطة أو وسيلة، كما إذا أوصى لابن ابنته ليزيدها أو نحو ذلك من الوسائل، إما مخطئاً غير عامد بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر، أو متعمداً آثماً في ذلك، فللوصي والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل في الوصية على الوجه الشرعي، ويعدل عن الذي أوصى به الميت. 183 ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخاطب تعالى المؤمنين من هذه الأُمة، آمراً إياهم بالصيام، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع، بنية خالصةٍ لله عزّ وجلّ، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها، وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم من أهل الكتاب ، فلهم فيه أسوة 184ــ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخَّص فيه للمريض والمسافر، وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصيام، فله أن يفطر ولا قضاء عليه، لأنه ليس له حال يصير إليه يتمكن فيها من القضاء،وكذلك الحامل والمرضع 185 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلٰهية تنزل فيه على الأنبياء والقرآن انزل هدى للقلوب لمن آمن به وصدقه وفيه حجج ودلائل لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرقاً بين الحق والباطل، والحلال والحرام، هذا وقد رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر، تيسيراً ورحمة من الله تعالى ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم فإذا قمتم بما أمركم الله من طاعته، بأداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك. 186 ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ". 187- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الرفث :الجماع هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر، دليل على استحباب السحور، لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب و لا تقربوا نساءكم ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره. والاعتكاف يكون في العشر الأخير من رمضان فقط , هذا الذي بيّنه الله وفرضه وحدّده من الصيام وأحكامه، وما أباحه لنا فيه وما حرمه وذكر غاياته ورخصه أي شرعها الله وبيَّنها بنفسه لا تجاوزوها وتتعدوها . 188 ـ {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فلا يُحِلُّ في نفس الأمر حراماً هو حرام، ولا يحرم حلالاً هو حلال وإنما هو ملزم في الظاهر. فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره، فأنتم تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه في كلامكم. 189- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الأهلة : المواقيت سبب نزول الآية سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم، ووقتَ حجهم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً ". قال البخاري عن البراء: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله: { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا }. 190- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت سورة براءة كذا قال ابن أسلم حتى قال: هذه منسوخة بقوله: { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5]. وفي هذا نظر، لأن قوله: { ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذي همتهم قتال الإسلام وأهله، أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم. 191- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 192- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ثقفتموهم: وجدتموهم الفتنة : الشِّرك في الحرام أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما همتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصاً.نبّه تعالى على ان ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغُ وأشدُّ وأعظم وأطم من القتل، ولهذا قال: { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ }. يقول تعالى: ولا تقاتلوهم عن المسجد الحرام إلا ان يبدأوكم بالقتال فيه فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعاً للصائل. 193- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة فإن الله يغفر ذنوبهم، ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه. 194- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } سبب نزول الآية قال ابن عباس: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في سنة ست من الهجرة، وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت، وصدّوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان من المسلمين، وأقصه الله منهم فنزلت في ذلك هذه الآية: { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }. { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُم } أمر بالعدل حتى في المشركين،{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } أمر لهم بطاعة الله وتقواه، وإخبارٌ بأنه تعالى مع الذين اتقوا بالنصر والتأييد في الدنيا والآخرة. 195- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } وعن ابن عباس قال: ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، ثم عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة فقال: { وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }. 196- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أحصرتم : منعتم عن البيت بعد الإحرام. الهدي : مايهدى إلى البيت المعظم من الأنعام. نسك: ذبيحة، وأدناها شاة. لما ذكر تعالى أحكام الصيام وعطف بذكر الجهاد، شرع في بيان المناسك فأمر بإتمام الحج والعمرة، وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما، ولهذا قال بعده: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } أي صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما، عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } شاة، والهدي من الأزواج الثمانية من (الإبل، والبقر، والمعز، والضأن) وهو مذهب الأئمة الأربعة. { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء، والصيام عشرةُ أيام، والصدقة على عشرة مساكين كل مسكين مكوكين مكوكاً من تمر ومكوكاً من بر، والنسك شاة. { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } ، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج أي في أيام المناسك. { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ }: إذا رجعتم إلى رحالكم . { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } من أهل الحرم. 197- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } الرفث: الفحش في القول جدال : خصام مع الناس عن ابن عباس أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج، من أجل قول الله تعالى: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ }، قال البخاري: قال ابن عمر: هي (شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة). { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } أي وأجب بإحرامه حجاً. إنما الرفث ما قيل عند النساء،وأن تعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك.{ وَلاَ فُسُوقَ } ، أي المعاصي. { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } المراد بالجدال هٰهنا المخاصمة. وقد ثبت عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". وعن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فأنزل الله: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ }. 198- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } المشعر الحرام : مزدلفة كانوا التجار يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج يقولون أيام ذكر فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ }. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفات - ثلاثا - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك، وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه " {وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان، والإرشاد إلى مشاعر الحج، على ما كان عليه من الهداية لإبراهيم الخليل عليه السلام ولهذا قال: { وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } قيل: من قبل هذا الهدي. 199- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } والمراد بالإفاضة هٰهنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار. 200- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } خلاق : نصيب من الخبر والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عزّ وجلّ، و (أو) هٰهنا لتحقيق المماثلة في الخبر. {فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } أي من نصيب ولا حظ، وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك. 201- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 202- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فقال البخاري عن أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر. 203- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} الأيام المعدودات : أيام التشريق الأيام المعلومات : أيام العشر قال عكرمة: يعني التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات (الله أكبر، الله أكبر) وعن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، وقال: " هي أيام أكل وشرب وذكر الله " قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة بعده. وعليه دل ظاهر الآية الكريمة حيث قال: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } فدل على ثلاثة بعد النحر، ويتعلق بقوله: { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } ذكر الله على الأضاحي وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وقد جاء في الحديث: " إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بن الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عزّ وجلّ " 204- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام، وفي باطنه خلاف ذلك، وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم وهو الصحيح. وأما قوله تعالى: { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } فمعناه أنه يظهر للناس الإسلام، ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق. وقوله تعالى: { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } الألد في اللغة: الأعوج وهكذا المنافق في حال خصومته، يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه، بل يفتري ويفجر، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " 205- { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي هو أعوج المقال سيء الفعال، فذلك قوله وهذا فعله. كلامه كذب، واعتقاده فاسد، وأفعاله قبيحة. والسعي هٰهنا هو القصد " إذا أتتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار " فهذا المنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث وهو محل نماء الزروع والثمار، والنسل: وهو نتاج الحيوانات الذي لا قوام للناس إلا بهما. { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي لا يحب من هذه صفته، ولا من يصدر منه ذلك. 206- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي إذا وُعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله، وقيل له: اتق الله وانزع عن قولك وفعلك، وارجع إلى الحق، امتنع وأبى، وأخذته الحمية والغضب بالإثم، أي بسبب ما اشتمل عليه من الآثام. 207- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة، ذكر صفات المؤمنين الحميدة قال ابن عباس وجماعة: نزلت في (صهيب الرومي) وذلك أنه لما أسلم بمكة، وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة، فقالوا: ربح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " ربح البيع صهيب " 208- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} 209- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يأمر الله تعالى عباده المؤمنين به، المصدقين برسوله، أن يأخذوا بجمع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك. وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر. بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام، وهي كثيرة جداً ما استطاعوا منها، وقوله تعالى: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } أي اعملوا بالطاعات، واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان. ولهذا قال: { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي عدلتم عن الحق بعد ما قامت عليكم الحجج، فاعلموا أن الله { عَزِيزٌ } أي في انتقامه لا يفوته هارب ولا يغلبه غالب، { حَكِيمٌ } في أحكامه ونقضه وإبرامه. 210- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} يعني يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزي كل عامل بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ولهذا قال تعالى: { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } 211- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخبر تعالى عن بني إسرائيل كم شاهدوا مع موسى من آية بيّنة، أي حجة قاطعة بصدقه فيما جاءهم به، كيده وعصاه وفلقه البحر وضربه الحجر، وما كان من تظليل الغمام عليهم من شدة الحر، ومن إنزال المن والسلوى وغير ذلك من الآيات الدالات على وجود الفاعل المختار، وصدق من جرت هذه الخوارق على يديه، ومع هذا أعرض كثير منهم عنها، وبدلوا نعمة الله كفراً، أي استبدلوا بالإيمان بها الكفر بها والإعراض عنها. 212- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ثم أخبر تعالى عن تزيينه الحياة الدنيا للكافرين، الذين رضوا بها واطمأنوا إليها، وجمعوا الأموال ومنعوها عن مصارفها التي أُمروا بها، مما يرضي الله عنهم، وسخروا من الذين آمنوا الذين أعرضوا عنها، وأنفقوا ما حصل لهم منها طاعة ربهم، وبذلوه ابتغاء وجه الله، فلهذا فازوا بالمقام الأسعد والحظ الأوفر يوم معادهم، فكانوا فوق أولئك في محشرهم ومنشرهم ومسيرهم ومأواهم، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين، وخلد أولئك في الدركات في أسفل سافلين؛ ولهذا قال تعالى: { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي يرزق من يشاء من خلقه، ويعطيه عطاء كثيراً جزيلاً، بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة. والحديث الصحيح: " أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً " 213- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن جرير: عن ابن عباس قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لمّا اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع فغداً لليهود، وبعد غدٍ للنصارى" فاختلفوا في يوم الجمعة فاتخذ اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة. واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى الله أمة محمد للقبلة. واختلفوا في الصلاة والصيام فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في إبراهيم عليه السلام فقالت اليهود: كان يهودياً، وقالت النصارى: كان نصرانياً، وجعله الله حنيفاً مسلماً فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في عيسى عليه السلام، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتاناً عظيماً، وجعلته النصارى إلٰهاً وولداً، وجعله الله روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك. قوله تعالى: { بِإِذْنِهِ } أي بعلمه بهم وبما هداهم له { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } أي من خلقه { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي وله الحكمة والحجة البالغة. وفي الدعاء المأثور: " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا، فنضل، واجعلنا للمتقين إماماً ". 214{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا، كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولهذا قال: { وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } وهي الأمراض والأسقام والآلام، والمصائب والنوائب. { وَزُلْزِلُواْ } خوفوا من الأعداء زلزالاً شديداً وامتحنوا امتحاناً عظيماً، و كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة. { وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة، وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها ولهذا قال: { أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }. 215- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ومعنى الآية: يسألونك كيف ينفقون, فبين لهم تعالى ذلك، فقال: { قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي اصرفوها في هذه الوجوه، كما جاء في الحديث: " أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك " { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي مهما صدر منكم من فعل معروف، فإن الله يعلمه وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء، فإنه لا يظلم أحداً مثقال ذرة. 216-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الإسلام. وقال عليه السلام يوم الفتح: " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا " ، { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } أي شديد عليكم ومشقة، { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي لان القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم وأولادهم. { وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } وهذا عام في الأمور كلها. قد يحب المرء شيئاً وليس له فيه خيرة ولا مصلحة. { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي هو أعلم بعواقب الأمور منكم، وأخبر بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم، فاستجيبوا له وانقادوا لأمره لعلكم ترشدون. 217-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عن ابن عباس: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ، وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد في شهر حرام، قال: ففتح الله على نبيّه في شهر حرام من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام. فقال الله تعالى: { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } من القتال فيه، { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } من قتل من قتلتم منهم { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل. { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين. 218- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن إسحاق: فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشدة ,وقال : فلما تجلى عن أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ما كان حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فوضع الله من ذلك على أعظم الرجاء. 219- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 220- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } روى الإمام أحمد عن أبي ميسرة عن عمر أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } أما الخمر فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه كل ما خامر العقل، والميسر: وهو القمار. { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } ، أما إثمهما فهو في الدين، وأما المنافع فدنيوية، من حيث إن فيها نفع البدن، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال الله تعالى: { وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } ، ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرحة بل معرضة، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما قرئت عليه: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً حتى نزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الآية: 90]، وعن ابن عباس: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } قال: ما يفضل عن أهلك، { قُلِ ٱلْعَفْوَ } يعني الفضل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول " . { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي كما فصل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها، كذلك يبين لكم سائر الآيات في أحكامه، ووعده ووعيده لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } الآية. قال ابن عباس: لما نزلت { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[الأنعام: 152]، و { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }[النساء: 10] انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم وبشرابهم. { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } أي يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي ولو شاء الله لضيق عليكم وأحرجكم، ولكنه وسّع عليكم وخفف عنكم وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن. 221-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذا تحريم من الله عزّ وجلّ على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان عن ابن عباس في قوله: { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب. { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } قال السدي: " نزلت في عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء فغضب عليها فلطمها، ثم فزع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها، فقال له: " ما هي "؟ قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال: " يا أبا عبد الله هذه مؤمنة " ، فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها " ، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمته، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين ويُنْكحوهم رغبة في أحسابهم فأنزل الله: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } ، { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ }. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ". { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } أي لا تزوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } أي لرجل مؤمن ولو كان عبداً حبشياً خير من مشرك، وإن كان رئيساً سرياً، { أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } أي معاشرتهم ومخالطتهم تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة وعاقبة ذلك وخيمة. 222- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] ) 223- ([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]) عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } حتى فرغ من الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " ، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه. وعن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: كل شيء إلا الجماع فقوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } تفسير لقوله: { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجوداً ومفهومه حله إذا انقطع. { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الإغتسال، يعني طاهرات غير حيّض. وقال ابن عباس:{ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } أي من الدم { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي بالماء. { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } قال ابن عباس: في الفرج ولا تَعَدُّوه إلى غيره، فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى، ولهذا قال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } أي من الذنوب. { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } أي المتنزهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى. { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } قال ابن عباس: الحرث موضع الولد، { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد . { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات ولهذا قال: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المطيعين لله فيما أمرهم، التاركين ما عنه زجرهم. 224- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } معناه: لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتكفير . عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفِّر عن يمينه وليفعل الذي هو خير ". |
01-17-2012, 07:21 PM رقم المشاركة : [3] | ||||
|
||||
رد: شرح و تفسير سورة البقرة
225- {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
لا يعاقبكم الله بسبب أيمانكم التي تحلفونها بغير قصد, ولكن يعاقبكم بما قصدَتْه قلوبكم. والله غفور لمن تاب إليه, حليم بمن عصاه حيث لم يعاجله بالعقوبة. 226- { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يؤلون: يحلفون أن لايجامعوا نسائهم تربّص: انتظار فَآؤُوا: رجعوا للذين يحلفون بالله أن لا يجامعوا نساءهم, انتظار أربعة أشهر, فإن رجعوا قبل فوات الأشهر الأربعة, فإن الله غفور لما وقع منهم من الحلف بسبب رجوعهم, رحيم بهم. 227- { وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وإن عقدوا عزمهم على الطلاق, باستمرارهم في اليمين, وترك الجماع, فإن الله سميع لأقوالهم, عليم بمقاصدهم, وسيجازيهم على ذلك. 228- { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } والمطلقات ذوات الحيض, يجب أن ينتظرن دون نكاح بعد الطلاق مدة ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات على سبيل العدة; ليتأكدن من فراغ الرحم من الحمل. ولا يجوز لهن تزوج رجل آخر في أثناء هذه العدة حتى تنتهي. ولا يحل لهن أن يخفين ما خلق الله في أرحامهن من الحمل أو الحيض, إن كانت المطلقات مؤمنات حقًا بالله واليوم الآخر. وأزواج المطلقات أحق بمراجعتهن في العدة. وينبغي أن يكون ذلك بقصد الإصلاح والخير, وليس بقصد الإضرار تعذيبًا لهن بتطويل العدة. وللنساء حقوق على الأزواج, مثل التي عليهن, على الوجه المعروف, وللرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق. والله عزيز له العزة القاهرة, حكيم يضع كل شيء في موضعه المناسب. 229- { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } تسريح: طلاق الطلاق الذي تحصل به الرجعة مرتان, واحدة بعد الأخرى, فحكم الله بعد كل طلقة هو إمساك المرأة بالمعروف, وحسن العشرة بعد مراجعتها, أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها, وألا يذكرها مطلقها بسوء. ولا يحل لكم- أيها الأزواج- أن تأخذوا شيئًا مما أعطيتموهن من المهر ونحوه, إلا أن يخاف الزوجان ألا يقوما بالحقوق الزوجية, فحينئذ يعرضان أمرهما على الأولياء, فإن خاف الأولياء عدم إقامة الزوجين حدود الله, فلا حرج على الزوجين فيما تدفعه المرأة للزوج مقابل طلاقها. تلك الأحكام هي حدود الله الفاصلة بين الحلال والحرام, فلا تتجاوزوها, ومن يتجاوز حدود الله تعالى فأولئك هم الظالمون أنفسهم بتعريضها لعذاب الله. 230- { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فإن طلَّق الرجل زوجته الطلقة الثالثة, فلا تحلُّ له إلا إذا تزوجت رجلا غيره زواجًا صحيحًا وجامعها فيه ويكون الزواج عن رغبة, لا بنية تحليل المرأة لزوجها الأول, فإن طلقها الزوج الآخر أو مات عنها وانقضت عدتها, فلا إثم على المرأة وزوجها الأول أن يتزوجا بعقد جديد, ومهر جديد, إن غلب على ظنهما أن يقيما أحكام الله التي شرعها للزوجين. وتلك أحكام الله المحددة يبينها لقوم يعلمون أحكامه وحدوده; لأنهم المنتفعون بها. 231- { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ْ} وإذا طَلَّقتم النساء فقاربن انتهاء عدتهن, فراجعوهن, ونيتكم القيام بحقوقهن على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا, أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن. واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الإضرار بهن لأجل الاعتداء على حقوقهن. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه باستحقاقه العقوبة, ولا تتخذوا آيات الله وأحكامه لعبًا ولهوًا. واذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام وتفصيل الأحكام. واذكروا ما أنزل الله عليكم من القرآن والسنة, واشكروا له سبحانه على هذه النعم الجليلة, يُذكِّركم الله بهذا, ويخوفكم من المخالفة, فخافوا الله وراقبوه, واعلموا أن الله عليم بكل شيء, لا يخفى عليه شيء, وسيجازي كلا بما يستحق. 232- { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } تعضلوهنّ : تمنعوهنّ واذا طلَّقتم نساءكم دون الثلاث وانتهت عدتهن من غير مراجعة لهن, فلا تضيقوا -أيها الأولياء- على المطلقات بمنعهن من العودة إلى أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك, وحدث التراضي شرعًا وعرفًا. ذلك يوعظ به من كان منكم صادق الإيمان بالله واليوم الآخر. إن تَرْكَ العضل وتمكين الأزواج من نكاح زوجاتهم أكثر نماء وطهارة لأعراضكم, وأعظم منفعة وثوابًا لكم. والله يعلم ما فيه صلاحكم وأنتم لا تعلمون ذلك. 233- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فصالاً: فطاماً قبل الحولين هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة وهي (سنتان) فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام ". { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } أي بأن تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالباً، ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك، ولهذا قال: { وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ }،{ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } قيل: في عدم الضرار لقريبه. فإن اتفق والد الطفل على فطامه قبل الحولين،و إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يستلم منها الولد، إما لعذر منها أو لعذر منه، فلا جناح عليهما في بذله ولا عليه في قبوله منها إذا سلمها أجرتها الماضية بالتي هي أحسن. 234- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع،ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فإن عدتها بوضع الحمل، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة. { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي انقضت عدتهن، { بِٱلْمَعْرُوفِ } النكاح الحلال الطيب. 235- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عرّضتم: لوحتُم { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أن تعرّضوا بخطبة النساء في عدتهن، { أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } أي أضمرتم في أنفسكم من خطبتهن، { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } يعني ولا تعقدوا العقدة بالنكاح حتى تنقضي العدة.أكننتم : أسررتم 236- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فريضة: مهراً أباح تبارك وتعالى طلاق المرأة بعد العقد عليها وقبل الدخول بها،ولهذا أمر تعالى بإمتاعها وهو تعويضها عما فاتها بشيء تعطاه من زوجها، بحسب حاله على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.الموسع: الغني المقتر: الضيق الحال 237- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن عباس: الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها، ليس لها إلا نصف الصداق. { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ }: إلا أن تعفو الثيب فتدع حقها، { أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ } المراد به (الزوج)، وأقربهما للتقوى هو الذي يعفو.238- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قانتين: مطيعين يأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي العمل أفضل؟ قال: " الصلاة في وقتها " قلت: ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " قلت: ثم أي؟ قال: " بر الوالدين " { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } والقنوت عند الشافعي في صلاة الصبح. 239- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فرجالاً : صلّوا مشاةً لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال الذي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل، وهي حال القتال والتحام الحرب فقال: { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } أي فصلُّوا على أي حال كان رجالاً أو ركباناً، يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. و أقيموا صلاتكم كما أمرتم فأتموا ركوعها وسجودها، وقيامها وقعودها وخشوعها وهجودها مثل ما أنعم عليكم وهداكم للإيمان. 240- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملاً فعدتها أن تضع ما في بطنها،إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت. 241- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 242- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ذهب الشافعي إلى وجوب المتعة لكل مطلقة سواء كانت مفوضة أو مفروضاً لها أو مطلقة قبل المسيس، أو مدخولاً بها. { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } أي في إحلاله وتحريمه وفروضه وحدوده فيما أمركم به ونهاكم عنه، بيَّنه ووضحه وفسَّره، ولم يتركه مجملاً في وقت احتياجكم إليه، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تفهمون وتتدبرون. 243- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} عن ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون،قالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم: { مُوتُواْ } ، فمرّ عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم فذلك قوله عزّ وجلّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْمِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَٱلْمَوْتِ} {إِنَّ ٱللَّه َلَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ}أي فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ} أي لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم. 244- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن هؤلاء خرجوا فراراً من الوباء طلباً لطول الحياة، فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعاً في آن واحد،وقوله { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي كما أن الحذر لا يغنيمن القدر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يبعده، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن لا يزاد فيه ولا ينقصمنه. { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم } قل ما شئت ، يسمعك ، لكن لوقلت كلاماً طيِّباً ولم تكن أنت كذلك ، فإن الله عليم بما في الصدور ، لا تخفى عليه خافية .. 245- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} يقبض : يضيّق يبسط: يوسّع يحث تعالى عباده على الإنفاق في سبيل الله، وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز فيغير موضع، وفي حديث النزول أنه يقول تعالى: " من يقرض غيرعديم ولا ظلوم " ، وقوله: { قَرْضاً حَسَناً } روي عن عمر وغيره من السلف هو النفقة في سبيل الله، وقيل: هو النفقة على العيال، وقيل: هو التسبيح والتقديس وقوله: { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} 246- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} قال وهب بن منبه وغيره: كان بنوا إسرائيل بعد موسى عليه السلام على طريق الاستقامة مدةمن الزمان، ثم أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزلبين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عنالمنكر، ويقيمهم على منهج التوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا فسلط الله عليهم أعداءهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسرواخلقاً كثيراً وأخذوا منهم بلاداً كثيرة وانقطعت النبوة من أسباطهم ولم يبق إلا امرأة حامل من بعلها، ولم تزل المرأة تدعوا الله عزّ وجلّ أن يرزقها غلاما فسمع الله لها ووهبهاغلاما فسمته (شمويل)، فلما بلغ سن الأنبياء أوحى الله إليه وأمره بالدعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكاً يقاتلون معه أعداءهم، وكان الملك أيضاً قد باد فيهم فقال لهم النبي: فهل عسيتم إن أقام الله لكم ملكاً ألا تقاتلواوتفوا بما التزمتم من القتال معه؟ الملأ : وجوه القوم وكبرائهم عسيتم : قاربتم { قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا } أي وقد أخذت من البلاد وسبيت الأولاد! قال الله تعالى: { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } أي ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم والله عليم بهم. أي لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكاً منهم فعين لهم (طالوت) وكان رجلاً من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم لأن الملك كان في سبط (يهوذا) ولم يكن هذا من ذلك السبط فلهذا قالوا: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا }؟ أي كيف يكون ملكاً علينا{وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْت َسَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } أي هو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك، ثم قد أجابهم النبي قائلاً: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } أي اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم، { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ } أي وهو مع هذا أعلم منكم وأنبل وأشكل منكم، وأشد قوة وصبراً في الحرب ومعرفة بها، أيأتم علماً وقامة منكم، ثم قال: { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ}أي هو الحاكم الذي ما شاء فعل ولا يسأل عما فعل وهم يسألون، لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه، { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي هو واسع الفضل.247- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] بسطةً : سعةً وامتداداً 248- {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} التابوت: صندوق التوراة يقول لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذي أخذ منكم فِيهِ { سَكِينَةٌ مِّنرَّبِّكُمْ } قيل: معناه فيه وقار وجلالة. { وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ}،عن ابن عباس قال: عصاه ورضاض الألواح. { تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ}،قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ } أي على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت { إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } أي بالله واليوم الآخر. التابوت: هذا التابوت الذي نجَّى الله به موسى ، كان محبوبٌ عند بني إسرائيل ثم ضاع منهم ، بحثوا عنه فلم يجدونه ، فكان من علامة أن هذا المَلك اختاره الله عز وجل، وبعضهم قال : إن التابوت صندوق فيه التوراة. 249- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فصل : انفصل عن بيت المقدس مبتتليكم: مختبركم في قوله تعالى مخبراً عن(طالوت) ملك بني إسرائيل، حين خرج في جنوده ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل، وكان جيشه يومئذ - فيما ذكره السدي - ثمانين ألفاً فالله أعلم :{إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ } أي مختبركم بنهر، وهو نهربين الأردن وفلسطين، يعني نهر الشريعة المشهور { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} أي فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه، { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّه ُمِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } أي فلا بأس عليه، { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ }. { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ و َٱلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } أي استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوّهم لكثرتهم، فشجعهم علماؤهم العالمون بأن وعد الله حق، فإن النصر من عند الله ليس عن كثرة عدد ولا عدد. 250- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا]} 251- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } روح القدس : جبريل عليه السلام أي لما واجه حزب الإيمان - وهم قليل من أصحاب طالوت - لعدوهم أصحاب جالوت وهم عددك ثير{قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً } أي أنزل علينا صبراً من عندك، { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } أي في لقاء الأعداء وجنبنا الفرار والعجز { وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ}. { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ } أي غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته، ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة، ولهذا قال تعالى: { وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } الذي كان بيد طالوت، { وَٱلْحِكْمَةَ } أي النبوة بعد شمويل، { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } أي مما يشاء الله من العلم الذي اختصه به صلى الله عليه وسلم. { وَلَوْلا َدَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } ، أي لولا أن الله يدفع عن قوم بآخرين، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا. 252- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي هذه آيات الله التي قصصناها عليك من أمر الذين ذكرناهم بالحق، أي بالواقع الذي كان عليه الأمر المطابق لما بأيدي أهل الكتاب من الحق، الذي يعلمه علماء بني إسرائيل { وَإِنَّكَ } يامحمد {لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ} وهذا توكيد وتوطئة للقسم . 252- { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} يعني موسى ومحمداً صلى الله عليهما وكذلك آدم كما ورد به حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عزّ وجلّ { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } أي الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به من أنه عبد الله ورسوله إليهم { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } يعني أن الله أيده بجبريل عليه السلام،{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } أي كل ذلك عن قضاء الله وقدره، ولهذا قال: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }. 253 -{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله سبيل الخير، ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا قبل أن يأتي يوم القيامة وقبل أن لا يباع أحد من نفسه ولا يفادى بمال ولو بذله، ولو جاء بملء الأرض ذهباً، ولا تنفعه خلة أحد يعني صداقته بل ولا نسابته 254- { اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل آية في كتاب الله. وقال الإمام أحمد: عن أُبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله:" " أي آية في كتاب الله أعظم؟ " قال: الله ورسوله أعلم، فرددها مراراً، ثم قال: آية الكرسي، قال: " ليهنك العلم أبا المنذر! والذي نفسي بيده إن لها لساناً وشفتين، تقدس الملك عند ساق العرش " ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ". { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إخبار بأنه المتفرد بالإلٰهية لجميع الخلائق، { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم. فقوله: { لاَ تَأْخُذُهُ } أي لا تغلبه { سِنَةٌ } وهي الوسن والنعاس، ولهذا قال: { وَلاَ نَوْمٌ } لأنه أقوى من السِّنة. { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطان { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عزّ وجلّ وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ، عن ابن عباس قال: علمه، وقال آخرون: الكرسي موضع القدمين. عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عزّ وجلّ: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } قال: " كرسيه موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عزّ وجلّ " { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } أي لا يثقله ولا يُعجزه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت 255- { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } الغي : الضلال { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بينة { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحَّد الله فعبده وحده، وشهد أن لا إله إلا هو { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } ، أي فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم. 256- { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات ويخرجونهم، ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، ولهذا وحد تعالى لفظ (النور) وجمع (الظلمات) لأن الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة . 257- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } هذا الذي حاج إبراهيم في ربه هو ملك بابل (نمرود بن كنعان)، قال مجاهد: ملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان (سليمان بن داود) و (ذو القرنين) والكافران (نمرود) و (بختنصر) والله أعلم. ومعنى قوله: { أَلَمْ تَرَ } أي بقلبك يا محمد { إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } أي وجود ربه، وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } وكان طلب من إبراهيم دليلاً على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم: { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي إنما الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار، ضرورة لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له. { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } ، قال قتادة: وذلك أني أوتي بالرجلين استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل، وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل، فذلك معنى الإحياء والإماتة { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي لا يلهمهم حجة ولا برهاناً بل حجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب ولهم عذاب شديد. 258- { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فبهت : تحيّر { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا }؟، وذلك لما رأى من دثورها وشدة خرابها، وبعدها عن العود إلى ما كنت عليه. قال الله تعالى: { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ }. قال: وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موت { كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }. قال: وذلك أنه مات أول النهار، ثم بعثه الله في آخر النهار، فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم، فقال: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } { وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } أي كيف يحييه الله عزّ وجلّ وأنت تنظر، { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ } أي دليلاً على المعاد { وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا } أي نرفعها فيركب بعضها على بعض، وقرىء { ننشرها } أي نحييها قاله مجاهد، { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً }. { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي أنا عالم بهذا، وقد رأيته عياناً فأنا أعلم أهل زماني بذلك 259-{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } لم يتسنّه : لم يتغير فَصُرْهُنَّ: قطّعهنّ فأما الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي " ، فليس المراد هٰهنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف. { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } ، اختلف المفسرون في هذه الأربعة ما هي؟ وإن كان لا طائل تحت تعيينها { فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } أي وقطعهن وعن ابن عباس { فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } أوثقهن فلما أوثقهن ذبحهن ثم جعل على كل جبل منهن جزءاً، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن ثم قطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض { وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع من شيء، وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر لكل شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. 260-{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني في طاعة الله، وقال مكحول يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل، وإعداد السلاح وغير ذلك، وقال ابن عباس: الجهاد والحج يضعَّف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } ، وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عزّ وجلّ لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة، وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف. 263- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } منّاً : تعداداً للإحسان أذى : تطاولاً وتفاخراً بالإنفاق يمدح تبارك وتعالى الذين ينفقون في سبيله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات مَنَّا على من أعطوه فلا يمنُّون به على أحد ولا يمنون به لا بقول ولا فعل. 264- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } كلمة طيبة ودعاء لمسلم، { وَمَغْفِرَةٌ } أي عفو وغفر عن ظلم قولي أو فعلي، { خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى } ، { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ } عن خلقه، { حَلِيمٌ } أي يحلم ويغفر، ويصفح ويتجاوز عنهم. في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنّان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب". 265- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } صفوان : حجر كبير أملس وابلٌ : مطرٌ شديد صلداً : أجرد فأخبر الله تعالى أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى، فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى ثم قال تعالى: { كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ، أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن الأذى، كما تبطل صدقة من راءى بها الناس، ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه، فقال: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } وهو الصخر الأملس { عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ } وهو المطر الشديد، { فَتَرَكَهُ صَلْداً } أي أملس يابساً، أي لا شيء عليه من ذلك التراب. 266- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن عباس: لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية، وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولاً، ولهذا قال تعالى: { وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ } وهو الريح الشديد { فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ } أي أحرق ثمارها وأباد أشجارها فأي حال يكون حاله؟ 267- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لاتيمّموا : لاتقصدوا الخبيث : الرديء يأمر تعالى عباده المؤمنين بالأنفاق والمراد به الصدقة هٰهنا من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، يعني التجارة بتيسيره إياها لهم، { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } أي تقصدوا الخبيث، { مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } أي لو أعطيتموه ما أخذتموه إلا أن تتغاضوا فيه، فالله أغنى منكم فلا تجعلوا لله ما تكرهون، وقيل معناه: لا تعدلوا عن المال الحلال وتقصدوا إلى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه. 268- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } أي الشيطان يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله، { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } أي مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاّق، قال تعالى: { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ } أي في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء، { وَفَضْلاً } أي في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر. 269- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } قال ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله. { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل، يعي به الخطاب ومعنى الكلام. 270- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده. وتوعد من لا يعمل بطاعته بل خالف أمره وكذب خبره وعبد معه غيره، فقال: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } أي يوم القيامة ينقذونهم من عذاب الله ونقمته. 271- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } أي إن أظهرتموها فنعم شيء هي، { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسرُّ بالقرآن كالمسر بالصدقة " 272- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلاّ على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين. أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب: أَلبِرّ أو فاجر، أو مستحق أو غيره، وهو مثاب على قصده، ومستند هذا تمام الآية: { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } 273- {[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * الضرب في الارض: هو السفر. لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً : أي لا يلحون في المسألة { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم، و { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش. والضرب في الارض: هو السفر. { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي الجاهل بأمرهم وحالهم، يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس المسكين بهذا الطوّاف التي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً ". { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ }: أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم، وفي الحديث: " اتقو فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } أي لا يلحون في المسألة، ويكلفون الناس مال لا يحتاجون إليه، فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة فقد ألحف في المسألة. { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي لا يخفى عليه شيء منه، وسيجزى عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه. 274-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته، في جميع الأوقات من ليل أو نهار، والأحوال من سر وجهر، حتى إن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة " ؟. وقال ابن جبير عن أبيه: كان لعلي أربعة دراهم فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً، ودرهماً سراً ودرهماً علانية، فنزلت: { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً }. وقوله: { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات، 275-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات، المخرجين الزكوات، المتفضلين بالبر والصدقات لذوي الحاجات والقرابات، في جميع الأحوال والأوقات، شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات، وأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم، فقال: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } ، أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطن له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات تجري من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا " { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا } أي إنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه، { وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا } يحتمل أن يكون من تمام الكلام رداً عليهم، أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكماً، وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم يحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم، وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل. ولهذا قال: { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة، لقوله: { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } [المائدة: 95]. { وَمَنْ عَادَ } أي إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله عنه فقد استوجب العقوبة وقامت عليه الحجة، ولهذا قال: { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، والشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله، لأن ما أفضى إلى الحرام حرام، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الحلال بيِّن، والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه " وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الربا ثلاثة وسبعون باباً " . 276-{[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } * 277-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يمحق : يذهب يربي : ينمي يخبر تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به بل يعدمه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة، . وقال ابن جرير: في قوله: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا } وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلّ) ، وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود كما قال صلى الله عليه وسلم: " من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام ". وقوله تعالى: { وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ } من ربا الشيء يربو أي كثّره ونمّاه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عزّ وجلّ يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد " وتصديق ذلك في كتاب الله: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ }. { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } أي لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل. ثم قال تعالى مادحاً للمؤمنين بربهم، المطيعين أمره، المؤدين شكره، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، مخبراً عما أعد لهم من الكرامة وأنهم يوم القياة من التبعات آمنون، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }. 278-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 279-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ذروا : اتركوا يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، ناهياً لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه، { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا } أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هذا الإنذار، { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحرم الربا وغير ذلك. { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه. { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ } أي بأخذ الزيادة { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أي بوضع رؤوس الأموال أيضاً بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه، 280-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } عسرة : ضيق ذات اليد , فقر يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء، فقال: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، ثم يندب إلى الوضع عنه ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل، فقال: { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين. 281-{ [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } ثم قال تعالى يعظ عباده ويذكرهم وزوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها، وإتيان الآخرة والرجوع إليه تعالى، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر ويحذرهم عقوبته فقال: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }. وقد روي أن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن العظيم، وعاش النبي بعد نزول هذه الآية تسع ليال، ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول 282- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يأب : يمتنع لا يبخس : لا يمنع لا تسأموا : لا تملوا أقسط : أعدل أقوم : اثبت أدنى : أقرب هذه الآية الكريمة أطول آية في القرآن العظيم فقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } ، هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين، إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها، ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها، وقد نبّه على هذا في آخر الآية حيث قال: { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ} . وقوله: { فَٱكْتُبُوهُ } أمر منه تعالى بالكتابة للتوثقة والحفظ، وقال قتادة: ذكر لنا أن (أبا سليمان المرعشي) كان رجلاً صحب كعباً فقال ذات يوم لأصحابه: هل تعلمون مظلوماً دعا ربه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجل باع بيعاً إلى أجل فلم يُشْهد ولم يكتب، فلما حل ماله جحده صاحبه فدعا ربه فلم يستجب له لأنه قد عصى ربه، وقوله تعالى: { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ} أي بالقسط والحق ولا يجر في كتابته على أحد، ولا يكتب إلا ما اتفقوا عليه من غير زيادة ولا نقصان. وقوله: { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ } أي ولا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب للناس ولا ضرورة عليه في ذلك، فكما علَّمه الله ما لم يكن يعلم فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة، وليكتب كما جاء في الحديث: " إن من الصدقة أن تعين صانعاً أو تصنع لأخرق " ، وفي الحديث الآخر: " من كتم علماً يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " ، {وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } ، أي وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين وليتق الله في ذلك، { وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } أي لا يكتم منه شيئاً، {فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً } محجوراً عليه بتبذيره ونحوه { أَوْ ضَعِيفاً } أي صغيراً أو مجنوناً { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ} إما لعيّ أو جهل بموضع صواب ذلك من خطئه { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ}. وقوله تعالى: { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } أمر بالاستشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة، { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } ، وهذا إنما يكون في الأموال وما يقصد به المال، وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود، وهذا مقيَّد حَكَم به الشافعي على كل مطلق في القرآن من الأمر بالإشهاد من غير اشتراط، وقد استدل من رد المستور بهذه الآية الدالة على أن يكون الشاهد عدلاً مرضياً. وقوله: { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } يعني المرأتين إذا نسيت الشهادة { فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } أي يحصل لها ذكر بما وقع به من الإشهاد. {وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ } ، قيل: معناه إذا دعوا للتحمل فعليهم الإجابة، وقال مجاهد: إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار، وإذا شهدت فدعيت فأجب، وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي ياتي بشهادته قبل أن يُسْألها " . وقوله تعالى: { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ } هذا من تمام الإرشاد، وهو الأمر بكتابة الحق صغيراً كان أو كبيراً، فقال: { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ } أي لا تملوا أن تكتبوا الحق على أي حال كان من القلة والكثرة إلى أجله. وقوله: { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ} أي هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلاً. هو { أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي أعدل، { وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ } أي أثبت للشاهد إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه كما هو الواقع غالباً، { وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ} وأقرب إلى عدم الريبة بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة. وقوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } أي إذا كان البيع بالحاضر يداً بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها. فأما الإشهاد على البيع فقد قال تعالى: { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } يعني أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فيه أجل، فأشهدوا على حقكم على كل حال، وقوله تعالى: { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } قيل: معناه لا يضار الكاتب ولا الشاهد فيكتب هذا خلاف ما يُمْلَى، ويشهد هذا بخلاف ما سمع، أو يكتمها بالكلية، وهو قول الحسن وقتادة، وقيل: معناه لا يُضِرُّ بهما. وقوله تعالى: { وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } أي إن خالفتم ما أمرتم به، أو فعلتم ما نهيتم عنه فإنه فسق كائن بكم، أي لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه، وقوله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره، يعلمكم ويجعل لكم نورا تمشوا به وقوله: { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها فلا يخفى عليه شيء من الأشياء، بل علمه محيط بجميع الكائنات. 283 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فإن كنتم مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ولم تجدوا من يكتب لكم أو وجدوه ولم يجدوا قرطاساً ولا قلماً فليكن بدلاً من الكتابة رهاناً مقبوضة في يد صاحب الحق على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض و إذا ائتمن بعضكم بعضاً فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا ولتتقوا ربكم ولاتخفوا الشهادة أو تغلّوها أو لا تظهروها ومن كتمها فهو فاجر قلبه 284ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } يخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن، وأنه المطلع على ما فيهن لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقت خفيت، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم وهو برحمته سيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء 285 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } 286- { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } فضل هاتين الآيتين : الحديث الأول: قال البخاري عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ بالآيتين - من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ". الحديث الثاني: قال الإمام أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي ". فقوله تعالى: {آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك { وَٱلْمُؤْمِنُونَ} عطف على الرسول، ثم أخبر عن الجميع، فقال: { كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره ولا رب سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارُّون راشدون مهد يون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين، وقوله: { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه، { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } سؤال للمغفرة والرحمة واللطف. 286 ـ { [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط - للتسجيل اضغط هنا] } لا يكلف أحداً فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، لَهَا مَا كَسَبَتْ من خير، وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت من شر، وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف ثم قال تعالى مرشداً عباده إلى سؤاله وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلَّمهم إن تركنا فرضنا على جهة النسيان، أو فعلنا حراماً كذلك، أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلاً منه بوجهه الشرعي فلا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها، كما شرعته للأمم الماضية قلنا من الأغلال والآثار، التي كانت عليهم التي بعثت نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة بوضعه، في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنفي السهل السمح. ولامن التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به أنت ولينا وناصرنا وعليك توكلنا، وأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك فَٱنْصُرْنَا عَلَى الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك، وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك. وأنت ياربنا وحدك تعلم فيما بيننا وبينك من تقصيرنا وزللنا، فَٱغْفِرْ لَنَا فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة، وَٱرْحَمْنَآ فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر لطيفة : قال ابن جرير عن أبي إسحاق: إن معاذاً رضي الله عنه كان إذا فرغ من هذه السورة { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } قال: آمين. |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الرهن العقاري (Mortgage) , الاحتياجات الطبية Medical Needs , سباكة Plumber , مكافحة الآفات Pest Control , البقرة , تفسير , صورة |