خطبة الجمعة 2016/10/21 أعتذر حين أخطئ



جرى بين الحسين بن علي رضي الله عنهما وبين أخيه محمد بن الحنيفة رضي الله عنهما كلام فانصرفا متغاضبين! فلما وصل محمد إلى منزله /وقد رأى نفسه المخطئ، ووجب عليه أن يعتذر لأخيه، ولكنه/ أخذ رقعة وكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن علي بن أبي طالب إلى أخيه الحسين بن علي بن أبي طالب، أما بعد فإن لك شرفاً لا أبلغه وفضلاً لا أدركه /لأنه ابن بنت رسول الله/ فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وسر إليَّ فتُرضيني! وَإِيَّاكَ أَنْ أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني /حتى لا يرى الناس ابن الحنفية باعتذاره خيراً من ابن بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام/ والسلام.
فلما قرأ الحسين رضي الله عنه الرقعة لبس رداءه ونعليه ثم جاء إلى أخيه محمد فترضاه! أولئك قدوتنا وأسوتنا...
قال تعالى ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم... ) !
تلك فيما بين الإنسان وربّه...
فكيف إذا كان الذنب فيما بين المؤمن وأخيه المؤمن؟ أو بينه وبين أخيه الإنسان؟
أيعتذر من خطئه؟ أيسعى في إصلاح ما أفسد؟
لم يُخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحق أحدٍ من الخلق أبداً
ومع ذلك علّمنا أن نعتذر لمن للغير... روى الطبراني بسند صحيح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانَ بعينَي صفيةَ /بنت حيي بن أخطب زوج النبي عليه الصلاة والسلام/ خُضرةٌ /أو زرقة من أثر ضرب/ فقال لهَا النبي صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ " ما هذِه الخضرةُ بعينَيكِ "؟ فقالتْ: قلتُ لزوجِي، إني رأيتُ فيما يرَى النائمُ قمراً وقَعَ في حجرِي، فلطَمَني وقال: أتريدِينَ مَلِكَ يثربَ؟ /تأول الرؤيا بأن القمر هو رسول الله، وأنه في حِجرها بأن يكون زوجاً لها/ قالت: وما كانَ أبغضَ إليّ مِن رسولِ الله، قتلَ أبِي وزوجِي، فما زالَ يعتذرُ إليَّ، /أي رسول الله صلى الله عليه وسلم/ فقال " يا صفيةُ: إنَّ أباكِ ألَّبَ عليَّ العربَ وفعلَ وفعلَ " /يعتذرُ إِليها، وهو المعصوم من الذنب.. بأنه كان مضطراً لقتال أبيها وقد حرض العرب وجمعهم ليحاربوا النبي عليه الصلاة والسلام/ [ قالت "> حتَّى ذهبَ ذاكَ من نفسِي. /أي ذهب من نفسها بغض النبي فأسلمت وتزوجها صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها.
أما نحن فكثيراً ما نخطئ! والواجب أن نحترس من الخطأ، وخصوصاً بحق الغير، فلنتدبّر الكلمة قبل أن نقولها، ولنتدبر الموقف قبل أن نندم، ويتوجب علينا الاعتذار وطلب العفو والصفح... روى ابن عساكر وغيره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسولَ الله أوصِني. قال " عليك بالإياسِ ممّا في أيدي النّاس! /لا تطمع فيما عند الخَلْق، وعلّق قلبك بالخالق/ وإيّاك والطَّمعَ فإنّه الفقرُ الحاضرُ، وصَلِّ صلاتَك وأنت مُودِّعٌ /فلعلّها تكون الأخيرة، فتلقى الله مقبلاً عليه/ وإيّاك وما يُعتذَرُ منه " ذلك حال العاقل الموفق.
أما إن وقعت الهفوة والزلل فالواجب على المؤمن أن يعتذر ويصلح ما أفسد روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم " لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاثٌ فلْيُقِلْهُ /أي فليعذُرْه/ وليُسَلِّم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه السلام فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة " /عفا الله عمن اعتذر، وسلم من الذنب/
تلك بداية الاعتذار والإصلاح، وحريّ بالمؤمن أن يقبل عُذره ويُقيل عثرته، طمعاً فيما عند الله، روى ابن حبان في صحيحه عن أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال " مَن أقال مُسلماً عَثرتَه، أقاله اللهُ عَثرتَه يومَ القيامةِ " /عفا عنه وسامحه وغفر له، أرأيت لو تعثر أخوك فوقع في حفرة ألا تمدّ يدك له لتُقيل عثرته وترفعه؟!/ وروي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " من أتاه أخوه مُتنَصّلاً...
/والله يا أخي أنا أخطأت معك! أرجو أن تسامحني! لم يكن ذلك مقصوداً! أرجو ألّا تحمل في قلبك عليّ!.. وأكثر الناس لا يقبل! وربما رفض أن يلقاه أو يستقبله أو حتى يستمع إليه!/
يقول صلى الله عليه وسلم ...فلْيَقْبَلْ ذلك مُحقّاً كان أو مُبطلاً، فإن لم يفعل لم يَرِدْ على الحوض " والذي لا يرد الحوض كيف يدخل الجنة؟
وروي عند أبي داود من حديث جودان /قيل له صحبة، أو أنه تابعي/ رحمه الله ورضي عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال " من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه ما كان على صاحب مَكْسٍ " أي كان عليه من الإثم كالحاكم الظالم الذي يأخذ أموال الناس بغير حقٍ، وصاحب المكس لا يدخل الجنة!
اللهم أصلح أحوالنا وألّف قلوبنا
الاستاذ الشيخ إبراهيم عبد الباقي







مواضيع اضافية




خطبة الجمعة 2016/12/9 ذوو الإعاقة

التفاصيل: ولقد كرّمنا بني آدم يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتَعارَفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله علم خبير روى البوصيري في كتابه إتحاف الخيرة المهرة بسند ضعيف له شواهد عن عبد الله بن أبي دعوة المؤتمر (Conference Call) ...




خطبة الجمعة 2016/12/23 المرء مع من أحبّ

التفاصيل: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول كيف ترى في رجل النقاهة (Recovery) ...




خطبة الجمعة 2016/11/25 الاستغفار سبب لرحمة الله

التفاصيل: أخبرنا الله تعالى بموعظة رسوله نوح عليه السلام فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسلِ السماء عليكم مدراراً ويُمدِدْكم بأموال وبنينَ ويجعلْ لكم جنات ويجعلْ لكم أنهاراً روى ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه أن النبيّ عليه ا التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (Heating, ventilation, and air conditioning) ...




خطبة الجمعة 2016/12/16 الصبر باب من أبواب الجنة

التفاصيل: واصبر فإن الله لا يُضِيْع أجر المحسنين حدثتكم عن واجبنا تجاه ذوي الإعاقة، فما حال ذلك الذي ابتلاه الله بما ابتلاه به، وما حالنا جميعاً ونحن في دار ابتلاء روى الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد عن عطاء بن أبي رباح رحم برمجيات الأعمال Business Software ...




خطبة الجمعة 2016/11/11 رحمته صلى الله عليه وسلم

التفاصيل: قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أخذ الراهب بَحِيْرا بيده وكان شاباً صغيراً فقال هذا سيد العالمين، هذا رسول ربّ العالمين، يبعثُه الله رحمة للعالمين رواه الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه بسند حسن روى الإمام ال الاحتياجات الطبية Medical Needs ...


الكلمات الدلالية

2016/10/21، أخطئ، أعتذر، الجمعة، خطبة، مشاركة الوقت Timeshare، دعوة المؤتمر (Conference Call)، التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (Heating, ventilation, and air conditioning)، الاحتياجات الطبية Medical Needs.