في الباص



فِي البَّاصِ
بَعْدَ أَنْ أَنْجَزْتُ عَمَلِي عَصْرَاً وَكُنْتُ مُرْهَقَاً تَعِبَاً رَكِبْتُ البَاصَ الأَخْضَرَ لِلنَّقْلِ الدَّاخِلِي
وَيَا لَمَحَاسِنِ الصّدُفِ لَمْ تَكُنِ الزَّحْمَةُ المَعْهُودَةُ فَلَمَحْتُ مَقْعَدَاً شَاغِرَاً خَلْفَ السَّائِقِ
وَكَانَتْ جِلْسَتِي بِشَكْلٍ مُعَاكِسٍ لِلسَّائِقِ بجَانِبِ فَتَاةٍ فِي العِقْدِ الثَّالِثِ مِنَ العُمْرِ حَيْثُ
جَاوَرَتِ الزُّجَاجِ تَنْظُرُ شَاخِصَةً وَاجِمَةً .
تَفَحَّصْتُ الوُجُوهَ جَمِيْعَهَا فَلَمْ أَجِدُ مَا يَسُّرَنِي ، وَحَتَّى أَتَأكَّدُ مِنْ رُؤْيَتِي الصَّحِيْحَةِ فَبَادَرْتُ
مِنْ شَارَكْتُهَا المِقْعَدَ جِلْسَةً .
آنِسَتِي أًرُيْدُ أَنْ أَسْأَلَكِ سُؤَالَاً وَلَكِ الخِيَارُ فِي الِإجَابَةِ ، فَاسْتَغْرَبَتْ مِنْ جُرْأَتِي وَاعْتَقَدَتْ
بِأنَّي أُمَهِدُ لِلتَعَرُفِ عَلِيْهَا فَتَجَمَّعَتْ دُوْنَ أَنْ تَنْبِسَ بِبَنْتِ شَفَةٍ فَلَمْ أَتْرُكْ لَهَا مَجَالَاً لِلتَمَادِي
فِي فِكْرتِهَا فَقُلْتُ هَلْ تَرِبْنَ وَجْهَاً سَعِيْدَاً مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّكَّابِ حِيْنَهَا بَدَأَتْ تَتَفَّرَّسُ الرُّكَّابِ
بِتَأَمُّلٍ وَاضِحٍ، وحَتَّى أُسَاعِدَهَا فِي تَأمَلِهَا عَزَّزْتُ سُؤَالِي السَّابِقِ بِاسْتَفْهَامٍ أَلَا تَرَيْنَ
العَبُوسَ فِي هَذِهِ الوُّجُوهَ .
وَدُوْنَ أَنْ أَتْرُكَ لَهَا مَجَالاً لِلإِجَاَبَةِ قُلْتُ لَهَا اُنْظُرِي إِلَى هَاتَيْنِ الفَتَاتَيْنِ وَيَبْدُو أَنَّهُمَا شَقِيْقَتِانِ
حَيْثُ ذَهَبَتِ النَّضَارَةُ مِنْ وَجْهِيْهُمَا وَهُمَا وَاجِمَتِانِ وَلَايَتَحّرَّكُ إلِاَّ هَذَا الطُّفْلُ الّذَي لَمْ يَتَجَاوَزِ
العَامِ وَالّذِي لْمْ يَعْرِفِ بَعْدُ مُعَانَاةِ الحَيَاةِ وَشَظفِهَا وَكَانَ يَصْدُرُمُناغاةً وَيَدِيْهِ عَلَى الزُّجَاجِ
وَنَظَرَهُ إِلَى الشَّارِعِ .
حِيْنَهَا اَبْتَسَمَتْ مُوافِقَةً ، وَتَابَعْتُ : اُنْظُرِي إِلَى المَقْعَدِ بِجَانِبِ البَابِ الخَلْفِي المُقَابِل لَنَا
يُوجَدُ شَابَانِ مِنْ كَانَ بِجَانِبِ الزُّجَاجِ قَدْ تَسمَّرَ بَصَرُهُ خَارِجَاً لَكِنْ لا يَرِفُ لَهُ جَفْنُ ، أَمَّا
الثَّانِي فَقَدْ سَمَّرَ بَصَرَهُ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمِيْهِ وَكَأنَّ شَيْئّاً عَظِيْمَاً يَشْغَلُ هَذَا الرَّأْسَ . حِيْنَهَا
زَادَتْ مَجَاوِرَتِي بِاِبْتِسَامَتِهَا مُوافَقَةً .
وَلَو انْتَقلنَا إِلى المَقَعَدِ الَّذِّي يَلَي المَقْعَدَ المُجَاوِرَ لِلبَابِ الخَلْفِي قُلْتُ لَهَا إنَّ تِلْكَ الفَتَاةَ
الَّتِي خَبَّأَتْ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ جَبْهَتِهَا وَوَجْنَتِيْهِا بِنَّظارِةٍ شَمْسِّيّةٍ وَلَا يَبْدُو علَى المَسَاحَةِ
الصَّغِيرَةِ المُتّبقِيةِ مِنْ وَجْهِهِا مَا يُسرُّ أو يُبْهِجُ قُلْتُ لاشَكَّ أنَّهَا تُخْفِي قَلَقَاً فِي عيِنِيهَا
الَّلتَينِ لا تَظْهَرَانِ إِلِيْنَا .
أمّا جَارَتَهَا العَجُوزُ وَالَّتي كَانَتْ مَشْغُولَةٌ بِمَا تَحْمِلُ مِنْ أَكْيَاسٍ تَنْظُرُ إلِيهَا نِظْرَةَ عَدَمِ رِضَا
وَكَأنَّهَا غُدِرَتْ فِي مُشْتَرَاتِهَا أَمْ لَمْ يُعْجِبْهَا سِعْرَهَا الفَاحِشَ أيَضَاً كَانَ وَجْهُهَا مُوّدِعَاً
لِلإبْتِسَامَةِ .
وَإِذَا مَا انْتَقَلْنَا إِلَى الجِّهَةِ المُقَابِلَةِ فَفِي المَقْعَدِ الأَمَامِيِّ الَّذِي تُسُوِّرُهُ عَارِضَةٌ حَدِيْدِيّةٌ
لِتَكُونَ حَاجِزَا تَمْنَعُ الرُّكَّابَ الوَاقِفِينَ أَمَامَهُم مِنْ الاِرْتِطَامِ بِشَاغِلِي المَقْعَدِ إِذَا مَا اسْتخْدَمَ
الَّسائِقُ المَكَابِحَ فَالرَّجُلُ المُجُاوِرَ لِلنِّافِذَةِ يَبْدُو عَلِيهِ المَرَضُ وَيَبْدُو لِتَوِّهِ خَرَجَ مِنَ المَشْفَى
قَدْ فَتَحَ فَاهُ وَيَبْدُو أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ مِنْهُ وَكَانَ شَاحِبَ الوَجْهِ وَإِلَى جِوَارِهِ طِفْلٌ فِي مَرْحَلَةِ
التَّعْلِيمِ الأسَاسِي قَدْ أَثْقَلَتْ كَاهِلَهُ الحَقِيْبَةُ التَّعْلِيمِّيَّةُ الثَّقِيلَةُ وَتَبْدُو عَليِهِ عَلَائِمُ التَّعَبِ .
وَإِذَا مَا انْتَقَلْنَا إِلَى المَقْعَدِ الخَلْفِيِّ الّذي يَلِي المَقْعَدَ المُسّوَّرِ بِعَارِضَةٍ يَجْلُسُ فِيهِ رَجُلَانِ
المُجَاوِرُ للزُّجَاجِ فِي العِقْدِ الخَامِسِ مِنَ العُمْرِ وَيَبْدُو أنّهُ صَعِدَ قَبْلِي بِمُوقِفٍ فَعَلِيهِ آثَارُ
التَّعَبِ وَقُطِيرَاتٌ مِنَ العرَقِ تَنْسَكِبُ مِنْ وَجْهِهِ أَمَّا الرَّجُلُ الأربَعِيني المُجَاوِرُ فَيَبدُو عِلِيه
أنَّهُ يَحْمِلُ مَؤُونَةُ الشَّهْرِ لَكِنُّه كَانَ يُفَكِّرُ كَيْفَ سَيَتِمُّ مَصْرُوفَ بَقِيَّةِ الأيَّامِ .
حَينَهَا وَافَقَتْنِي علَى رَأْيِي بِإِمَالَةِ رَأْسِهَا لِلأَسْفَلِ مَعَ هَزَّهِ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِقُوَةٍ إِي لاتُوجَدُ
مَسَّرَّةٌ وَلاسُرُورٌ حِيْنَهَا وَصَلَ البَاصُ إِلى المُوقِفِ وَتَرَجَّل مِنْهُ ثَلاثَةُ شَبَابٍ وَفَتَاةٍ كَانَ
يَجْلِسُونَ فِي المَقَاعِدِ الخَلْفِّيَّةِ أي مَا يُسُمَّى ( باِللُّوجِ ) وَيَبْدُو أنَّهُم جَامِعِيُونَ أَحَدَهُم كَانَ
يَتَصَبَّبُ عَرَقَاً وَحَامِلاً لِمِسْطَرَةٍ شفافة طويلة بِسَبَابَتِهِ وَإِبْهَامِهِ وَكَأَنّهُ غَيْرُ رَاضٍ عَنْ فَرْعِهِ
الجَّامِعِي وَلَكِنَّ الآَخَرِينِ يَحْمِلُ كلٍّ مِنْهُمَا مَرْيُولاً أبْيَضَا ً نَزِلَا مِنَ البَاصِ وَقَسَمَاتُهُمَا وَاجِمَةٌ
بَحْثاً عَنْ مِسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ ، وَأمَّا الفَتَاةُ صَاحِبَةِ الكُحْلَةِ المُذّنَّبَةِ وَالحَوَاجِبِ المَرْسُومَةِ
فَيَبْدُو أنَّهَا غَيْرُ رَاِضَيةٍ عَنْ نَفْسِهَا وَهَذَا يَبْدُو مِنْ نَزْلَتِهَا حَيْثُ ثَبَّتَتْ يَدَهَا اليُسْرَى عَلَى
حَقِيْبَتِهَا وَهْيَ تَنْزِلُ الدَّرَجَ دُوْنَ أَنْ تجْعَلَهَا تَتَحَرُّكُ مَعَ شِيءٍ مِنَ العَبُوسِ .
حِيْنَهَا انْطَلَقَ لِسَانُ مَنْ شَارَكْتُهَا الَمَقْعَدَ نَعَم أَي وَاللهِ صَحِيْحُ لَمْ أجِدُ مَسَرَّةٌ فِي أيّ وَجهٍ
مِنَ الوُجُوهِ وَهْيَ مَسْرُورَةٌ لِهذَا الاسْتِنْتاجِ الَّذِي أَعْجَبَهَا فِيْمَا يَبْدو لَكنِّي أَرْدَفْتُ وَأَنْتِ كُنْتِ
يَاسَيِّدَتِي وَاحِدَةٌ مِنْهُم فَكُنْتِ وَاجِمَةَ الوَجّهِ مُكْفَهِرَّةَ وَهُنَا سَرَقْتُ اِبْتِسَامَتِهَا فَنظَرَتْ إليَّ
بِغَضَبٍ وَلَكِي أُخَفِّفَ مِنْ حِدّةِ نَظْرَتِهَا وَأَنَا أُشَاطِرُكِ وَأُشَاطِرُهُمُ الإكِفِهْرَارُ وَعَدَمِ المَسَّرَةِ
يَاسيّدَتِي وهل أنا إلاّ واحدٌ من هذا المجتمع .






الكلمات الدلالية

الباص، درجة سوء mis degree، النائب (Attorney)، اعادة تأهيل Rehab، القروض (Loans).